للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وسائل أهل الحسبة]

نحن نعيش في العصر الذي نعيش فيه، ولكن منهجنا يبقى الكتاب والسنة، لأن البعض كتب في بعض هذه الرسائل -وقد قرأت بعضها- يقول: لا تسرفوا في استخدام الوسائل وتخرجوا عن المنهج، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى الله على حمار فنصره الله! هل نترك السيارة الأمريكية، نسافر إلى الطائف نلقي المحاضرات على حمير؟! ونقول: يحرم التكلم في مكبرات الصوت لأن الفرنسيين صنعوها، ونترك المراوح واللمبات والنظارات، والأقلام، ونقول: صنعها الكفار، فهذا ليس بصحيح، هذه الوسائل وجدت فنستخدمها؛ لأننا إن لم نستخدمها استخدمها أهل الباطل ودمرونا بها والله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] أليس من القوة أن نأخذ هذه الوسائل؟ بلى.

وسائل السلف كانت الخطابة، وما زالت هي الوسيلة المستخدمة إلى الآن، ولابد من سياط الوعظ في القلوب.

ولا يمكن استغناء الأمة عن الوعاظ ولا عن الفقهاء، الفقهاء مهمتهم أن يفتوا الناس عن الماء إذا خالطه الكافور، وعن بيع العينة، وعن أقسام المياه الثلاثة، ولابد من هذا الواعظ الذي يذكر باليوم الآخر، أما أن نتكلم دائماً عن الماء المشمس والماء إذا خالطه كافور، وعدة المطلقة فسوف تقسوا القلوب ولو أنها فقهت شيئاً من أمور الدين، ولا نبقى دائماً نقول للناس: تموتون وتبعثون وتحاسبون، فأين العلم؟ لابد من مدرسة الوعظ، ومدرسة العلم، وكذلك كان درس النبي صلى الله عليه وسلم، بل القرآن وعظ ترغيبي ترهيبي وعلم تنصيصي فقهي، كما قاله كثير من العلماء، فلا بد من المسارين الاثنين.

فشكر الله جهود العلماء الذي يفقهون ويفتون الناس، وشكر الله جهود الوعاظ الذين يعظون الناس، كلنا بحاجة إلى مدرسة الوعظ ومدرسة الفقه، أما الكلمة العابرة فطيبة.

وأخبركم بقصة رجل حدثت له عندما ذهب مع بعض الشباب إلى مكة لأداء العمرة في رمضان، وفي أثناء الطريق كان هناك محل غناء، فذهبوا فوجدوه يغني ويطبل فنسقوا له خطة لإدخاله في مصيدة الهداية، وليدلوه على الجنة فقط، فهم يريدون منه شيئاً قادياً، أرسلوا أحدهم قالوا: أنت تتكلم قبلنا كأنك لا تدري بنا ولا ندري بك، فذهب هذا الرجل فألقى عليه موعظة، وبعد أن عاد الأول ذهب الثاني، وكأنه لا يشعر بالأول، فألقى عليه موعظة، رجع الثاني وذهب الثالث فصب عليه موعظة.

الرجل انذهل قال: الناس حدث لهم شيء، كلهم يأتونني في وقت محدد، فأخرج لهم بنفسه كتيباً صغيراً عن تحريم الغناء، وأعطاهم موثقاً من الله أن يتوب وأن ينقل تسجيلاته إلى تسجيلات إسلامية.

تصوروا لو أن حلاقاً يحلق ذقون المؤمنين، يتبرع بحلق اللحى من الأذن إلى الأذن كل صباح، لو أنه يمر به عشرات الناس؛ في طريقك وأنت تأخذ خبزاً للأهل وتقول له: اتق الله، أنت على خطأ، وأخوك يمر به وابن عمك وجارك حتى يتوالى عليه عشرة أو عشرين في اليوم، ما هو شعور هذا الحلاق؟ هل يقر له قرار، ويبقى عنده فكر؟!

وهؤلاء الخياطون أصبحوا ثكنات الإفساد في الأرض، بعضهم أصبح يدمر ما لا تدمره مدارس الاستشراق، هندوك وبوذيون وسيخ، يحملون الفاحشة الكبرى، وتعرضوا لعباد الله، ولإماء الله بالفساد المفرق، فهؤلاء لو تعرضوا للكلمات، نحن لا نقول: قاتلوا الناس لكن كلمة اتقوا الله خافوا الله، كبائع المجلات الخليعة وصاحب الاستريو الغنائي وكثير من الباعة الغشاشين، فأين الكلمات العابرة التي كان يطلقها السلف، كانوا يطلقون الكلمات العابرة، ويرشدهم محمد صلى الله عليه وسلم، كان يمر على الأسواق ويتكلم مع الباعة، وأين تأليف القلوب بشيء من الدنيا؟

أحد الصالحين من الدعاة يعتمد على الدعوة الفردية ولا يذهب إلا إلى المجرمين وإلى رءوس الشياطين، الإنسان الملتحي لا يدعوه لأنه متوجه، لكن يبحث عن مجرم، وعن أحد رءوس الشياطين، فيذهب فينصبّ عليه، ويدعوه، وبعد شهر أو شهرين يأتي به يصيده صيداً، كما يقول أحد الدعاة: السوق مناهبة؛ الشيطان ينهب، وأنت تنهب فانهب مع الشيطان، فسئل عند طريقته في الدعوة فقال: أولاً: أدعو الشخص إلى زيارتي في البيت، فإذا قدم إلى بيتي قدمت له وجبة دسمة، ولا أتكلم له عن شيء، يتغدى ويشرب الشاي، ثم أرافقه إلى الباب، ولا ألقي عليه محاضرة.

والمرة الثانية: أهدي له هدية.

والمرة الثالثة: أقوم في الثلث الأخير فأدعو الواحد الأحد أن يهدي قلبه.

والله لقد سمعت هذا الكلام من رجل في الستين من عمره، وهذا الرجل مجرب لا يأتي إلا برءوس الشياطين يدخلهم في دين الله.

قال: فوسيلتي، هذه الوسائل، هدية، ووليمة، ودعاء في الثلث الأخير، والمرة الرابعة أذهب فأدعوه، وفي الأخير يستجيب، قال: وجربت عشرات الناس بل بلغوا المئات الآن، واستجابوا وأصبحوا من أولياء الله، وقد رأيت بعضهم يبكون إذا سمعوا الذكر، هذا هو الداعية، أما الذي يأتي إلى أناس جاهزين فيتكلم فيهم فهو محسن على كل حال، لكن ذاك نوع آخر.

وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال

وقال آخر:

لا يدرك المجد إلا سيد فطن لما يشق على السادات فعال

لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال

هذا أسلوب من أساليب أهل الحسبة في الإسلام، وأولياء الله موجودون، فهم في القرى وفي المدن، قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر:٣١].

أما الأساليب التي جَدَّت وبإمكان الدعاة استخدامها الآن، فمنها: إهداء الكتاب أو الكتيب أو الشريط الإسلامي، وقد أثر الشريط الإسلامي في الناس تأثيراً بالغاً، فيهدي لهم ليسمعوه في البيوت أو في السيارات.

ومنها: المنشور والرسالة: أن تكتب رسالة لحبيبك وصديقك.

ومنها: الاتصال بالهاتف.

ومنها: الكتابة في الصحف، وغيرها من الوسائل التي ينبغي على الدعاة المشاركة فيها.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>