روى مسلم في صحيحه عن ابن شماتة المهري قال: حضرت الوفاة عمرو بن العاص فبكى بكاءً طويلاً -وهل أجدر بالبكاء من الذي صرع في سكرات الموت, متى يبكي إن كان لا يبكي لتلك الساعة؟ متى يتهيأ إذا لم يتهيأ لذاك المصرع؟ متى يندم إذا لم يندم لتلك الفترة؟ - قال: فلما بكى أتى ابنه عبد الله فأخذ يحسن ظنه بالله، ويرجيه في الله، ويقول: [[يا أبتاه! أما أسلمت؟ أما هاجرت؟ أما ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاية كذا على الجيش؟ أما فتتحت مصر؟
قال: فحول وجهه إلى الحائط، ثم بكى طويلاً، ثم عاد إلى الناس, فقال: إني عشت في حياتي على طباق ثلاث, كنت في الجاهلية لا أعرف الإسلام، وكان أبغض الناس إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلو توفيت في تلك الحالة لكنت من جثا جهنم, ثم أسلمت فقدمت على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة , قال: فلما بسط يده ليبايعني قبضت يدي، قال: ما لك يا عمرو؟ قلت: أشترط, قال: تشترط ماذا؟ قلت: أشترط أن يغفر لي ربي ذنبي, فتبسم، وقال:{أما تدري يا عمرو أن التوبة تجب ما قبلها وأن الإسلام يهدم ما قبله} قال: فأسلمت, فوالله ما كان أحد أحب إليّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم, والله لو جعلتموني الآن أصفه ما استطعت أن أصفه لأني ما كنت أملأ عيني منه جلالاً له وهيبة منه, فلو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة, ثم تخلفت فلعبت بي الدنيا ظهراً لبطن, فوالله ما أدري هل يؤمر بي إلى الجنة أو يؤمر بي إلى النار]].
وفي صحيح مسلم زيادة: فقال: [[لكن عندي كلمة أحاج لنفسي بها عند الله وهي: لا إله إلا الله محمد رسول الله]] ثم قبض يده، فكلما أتوا ليبسطوا يده عادت، فغسلوه وهو كذلك، وأدخلوه أكفانه هكذا, وأدخلوه قبره وهو على هيئته.