للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أحسن كما أحسن الله إليك]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أشهد أن الله حق، وأن الجنة حق، والنار حق، والنبيين حق، وأن محمداً رسول الله حق، أشهد أن الدين خالد، وأن الرسول خاتم، وأن الكفر خاسر.

أيها الناس: يقول الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٧٥ - ٨٠].

هذا هجوم أدبي على الإقطاعيين في العالم.

هذا غضب ونقمة على الذين كدسوا القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وادخروا الأموال في البنوك، وتركوا فقراء الأمة ينامون على الأرصفة.

هذا غضب من الله للذين لعبوا في أمواله سُبحَانَهُ وَتَعَالى فما أدوا زكاة الأموال، وما اجتنبوا الربا وما تصدقوا.

هذا وعيد صارم من الله ألا يقبل لهم توبة إذا أتوا بهذه الحالة {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة:٧٥] كان بعض الناس فقيراً فأغناه الله الواحد الأحد، كان لا يملك درهما ولا ديناراً، فلما أصبح يملك الملايين لوى عنقه لرب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالى، بطر بالأموال وصد بالأموال عن سبيل الله، ورابى بالأموال، وصارت أمواله مصدر حرب على الإسلام والمسلمين {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة:٧٥] عهد من الله، فآتاهم الله، وأراد سُبحَانَهُ وَتَعَالى أن يرى هل يصدقوا أم يكذبون.

وأنا أذكر قصة صحيحة عند البخاري يوم أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ليجبي الصدقات من الناس، فذهب عمر جابياً للصدقات، فمر على العباس عم الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: هات زكاتك قال: لا، ومر على خالد بن الوليد - أبي سليمان سيف الله المسلول- قال: هات زكاتك قال: لا.

ومر على ابن جميل وقال: هات زكاتك قال: لا، وليس لـ عمر إلا أن ينقل الإجابة كما سمعها للرسول عليه الصلاة والسلام، ووصل عمر وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أعطاني الناس جميعاً إلا ثلاثة: عمك -هكذا صراحة ووضوح وصدق الإسلام، ليس في دين الله خشخشة ولا مجاملة ولا نفاق- عمك رفض أن يدفع الصدقة وما قال عمر في نفسه: ما دام أنه عم الرسول فنتجاوز عنه، لا.

أول من رفض الصدقة عمك وخالد بن الوليد وابن جميل، فتبسم عليه الصلاة والسلام.

وأتى يخبر بجواب مفصل عن أعذار الثلاثة، قال: {أما عمي فإنها علي ومثلها} يعني زكاة سنتين؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام استعجل، وتعجل منه صدقة عامين، قرضاً وديناً في شئون الإسلام، عليه الصلاة والسلام، ثم قال لـ عمر: {أما تدري يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه} كالمازح يقول هو عمي ومع ذلك تعجلت صدقته هذه السنة والسنة المقبلة.

قال عليه الصلاة والسلام: {وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً} خالد مظلوم فـ خالد دفع دمه وعرقه ودموعه وسيوفه ورماحه في سبيل الله، خالد أخذ أمواله جميعاً فشرى بها مائة فرس فحبسها في سبيل الله، وشرى مائة سيف فجعلها في سبيل الله، وشرى مائة درع فجعلها في سبيل الله.

يقولون معن لا زكاة لماله وكيف يزكي المال من هو باذلة

هو البحر من أي النواحي أتيته فدرته المعروف والجود ساحله

فاعتذر لـ خالد وللعباس.

{وأما ابن جميل -وهذا هو الحية الرقطاء- وأما ابن جميل يقول عليه الصلاة والسلام: فما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله} يقول: أيحق لـ ابن جميل أن يفعل بنا هذا، بعد أن كان فقيراً مملقاً أغناه الله؟!

يتنكر للإسلام وللزكاة وللصدقة، أهذا جزاء الإحسان! أهذا رد المعروف! أهذا حفظ اليد البيضاء! هكذا يفعل اللؤم! فرفض ابن جميل ورفض عليه الصلاة والسلام أن يقبل صدقته أبداًَ، فأنزل الله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} [التوبة:٧٥] وهو ابن جميل هذا، كان فقيراً في جانب المسجد يأكل من طعام المسجد لا يجد كسرة خبز، فأتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: {يا رسول الله! أريد مالاً، قال: قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه} -قليل تشبع به وتصلي معنا في المسجد وتشكر الله عليه أحسن من الكثير الذي لا تؤدي شكره- {قال: يا رسول الله! ادع الله لي أن يرزقني مالاً، قال صلى الله عليه وسلم: أنا رسول الله لو شئت أن يسير الله لي جبال الدنيا ذهباً وفضة لسيرها لي، ولكني مع ذلك أجوع يوماً وأشبع يوماً، قال: يا رسول الله! ادع الله أن يرزقني مالاً، قال: فإن رزقك مالاً أتؤدي شكره؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فرزقه الله مالاً، فترك صلاة الجماعة ثم تشاغل عن صلاة الجمعة ثم رفض الزكاة}.

وابن جرير وابن أبي حاتم يذكرونها لـ ثعلبة وفي سندها عن ثعلبة نظر، بل هي عن ابن جميل لقصة البخاري ولسند البخاري، أرسل عمر إليه قال: هذه جزية لا أعترف بالصدقة، قال: كنتَ فقيراً فأغناك الله، قال: لا، أنا ورثت المال كابراً عن كابر، قال الله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} [التوبة:٧٧] وهذه قصة ابن جميل تتكرر حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>