بيان قوله تعالى: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)
حتى امرأته المجرمة سوف تذوق ما ذاق، هي مخزومية، وكانت تدخل الحرم وتقول: أين مُذَمَّم، تعني الرسول صلى الله عليه وسلم، دخلت وفي يديها، في يدها اليمنى حجر، وفي يدها اليسرى حجر، تريد أن تضر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقتربت واقتربت، وأبو بكر جالس بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعل الله من بين يديها سداً ومن خلفها سداً فأغشاها فلم تبصر، فتقول لـ أبي بكر: أين صاحبك؟ قال: التمسيه، وهذا جواب سديد، بمعنى: ابحثي عنه، قال: ولَمَ؟ قالت: يسبني، وهو لم يسبها ولكنه بعد هذه السورة سبها الله، الله الذي تولى سبها وهددها، قالت: لقد علمت قريش أني ابنة سيدها، وماذا يغني عنك أيتها الفتاة! أنك ابنة السيد؟! ماذا يغني عنك وأنت كفرت بـ (لا إله إلا الله) وكفرت بتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم وكفرت بالحجاب، وبالبيت الإسلامي، وبالكتاب والسنة، ثم كانت تنشد وتقول:
مُذَمَّمَاً أبَيْنا ودينَه قلينا
وأمره عصينا
وهي تقصد محمداً، يقول صلى الله عليه وسلم: {انظروا كيف يخرس الله ألسِنة قريش عن اسمي فيسموني مذمماً، وأنا محمد}.
ثم تعود إلى البيت.
يخرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام في الليل في صلاة العشاء وصلاة الفجر، فتأخذ هي الشوك في حزم الحطب وتنثره في طريقه، فيصيبه الشوك، وتدمى عقباه، ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: حبلها هذا الذي تحمل به الحطب، وحطبها هذا سوف نوقد عليه وعلى رأسها وشحمها ودمها في نار جهنم.
وأعظم العقوبات أن تعذب العاصي بآلته، وأن تدمره بسلاحه.
وبعض أهل العلم من أهل التفسير يرون أن حمالة الحطب: هي التي تمشي بالنميمة بين الناس، وهي بالفعل كذلك، كانت تفعل هذا وهذا، كانت تذهب إلى البيوت تستثير الناس ضد الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان زوجها يستثير الرجال ضد محمد صلى الله عليه وسلم.
وامرأة أبي لهب هذه موجودة، توجد في الأندية، وفي المسارح، وفي الأقسام العلمية، وفي المستشفيات، وفي أقسام الإعلام، وهي تمثل تلك المرأة القديمة التي تعارض منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، فهي تمشي بالنميمة في سب أهل العلم والفضل، وأهل الدعوة، والصلاح، وهي تمشي بالخزي والعار في عداء هذا الدين, وهي تمشي بالهدم والتدمير في معارضة كلما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم.
امرأة أبي لهب موجودة.
فمن تحارب الحجاب: فهي امرأة أبي لهب.
ومن تحارب الدعوة: فهي امرأة أبي لهب.
ومن تدعو إلى الاختلاط والسفور: هي من جنس امرأة أبي لهب.
ومن تستهزئ بأهل الفضل والعلم والدعوة: هي من جنس امرأة أبي لهب.
وسوف تصلى ناراً ذات لهب.
(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): قال الشافعي -وهذا من استنباطه-: يقر المشركون إذا أسلموا، يقصد: على عقد النكاح فإذا أسلم الرجل المشرك مع امرأته أقروا يقرون على العقد الأول ولا يُنقض نكاحهم، فإن الله أقر أن امرأة أبي لهب امرأة له، فسماها وقال: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:٤] وهذا من فقه الشافعي؛ لأن الله سماها امرأة.
وكان عليه الصلاة والسلام يقر من أسلم على العقد الأول، ولم يكن ينقضه.
وقول آخر لأهل العلم: إن من كان كافراً وأسلم فإنه يجدد العقد، أو من ارتد فترك الصلاة مثلاً ثم عاد فيجدد العقد، والقول الأول هو الأسلم وهو قول الشافعي وغيره.
(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): قالوا: لم يسمها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى استهجاناً لذكرها، وقيل: لأنه اكتفى بتسمية زوجها، فألحقها به، واسمها: أم جميل.
وقالوا: إن العقد سوف يستمر إلى النار، أي: سوف يبقى عقد الزوجية هذا ونعوذ بالله إلى النار.
قالوا: وما سمعنا أن زوجين قرن بينهما إلى المطاف الأخير في مقعدين في النار إلا هذه وذاك، وتجد بعض المجرمين مقروناً بإجرامه هو وزوجته حتى يلقوا الله في نار جهنم.
وبعض الأحيان يفترق الزوجان هذا عن هذا، كنوح وزوجته، هذا من معسكر (لا إله إلا الله) وهذه من معسكر الضلالة والخزي، ولوط وزوجته، وفرعون وزوجته، فرعون في النار، وزوجته في الجنة, {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:١١] قال ابن القيم: سألتِ الجار قبل الدار، قالت: عندك، فبنى الله لها قصراً في الجنة عنده.