[قصة صبيغ بن عسل مع عمر بن الخطاب]
جاء عمر رضي الله عنه وأرضاه فوقف للناس كالحصن.
قد كنت أعدى أعاديها فصرت لها بفضل ربك حصناً من أعاديها
يقول لـ أبي موسى: [[إنك سوف تذهب إلى أهل الكوفة، فلا تشغلهم بفتياك عن قراءة القرآن، فإنك سوف تسمع لهم دوياً كدوي النحل بالقرآن]] يأتي أبو هريرة فيحدث حديثاً طويلاً، فيقوم عمر ويقول: [[والله إما تركت الحديث يا أبا هريرة! وإلا فوالذي نفسي بيده لألحقنك بأرض القردة، أرض الدوس -يعني بلاد زهران - فسكت]].
يأتي أبو موسى فيطرق عليه الباب، فيقول عمر: من؟ فلا يسمع إلا الطرق، من؟ فلا يسمع إلا الطرق، فرجع أبو موسى لأنه لم يسمع الإذن بالدخول، فلحقه عمر، وقال: [[تعال، لماذا لم تدخل؟ فقال: أمرنا صلى الله عليه وسلم إذا استأذنا ثلاثاً، فلم يؤذن لنا أن نرجع.
فقال عمر: والذي نفسي بيده لتأتيني بشاهد على هذا الحديث أو لأوجعنك ضرباً]] واقفٌ كالحصن وكالجبل ضد كل ابتداع في اللفظ والأخلاق والسلوك، فذهب أبو موسى وهو يرتجف ويرتعد إلى مجلس الأنصار، فشكا عليهم الحال، فأرسلوا معه أصغرهم، فشهد له بذلك فمرَّت سُنَّة.
وأتاه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين! قال: نعم.
قال: في الجيش -جيش الإسلام الذي يزحف إلى القادسية - رجل يقول: كيف تجمعون بين هذه الآيات، يقول الله عز وجل: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} [الذاريات:١ - ٣] ويقول الله عز وجل: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:١] ويقول عز وجل: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:١]؟!
قال عمر: أهو موجود في الجيش؟ قال: نعم، قال: عليَّ به؟ ثم دعا سعد بن أبي وقاص، وقال: يا سعد! -والذي نفسي بيده- إن أفلت هذا الرجل ليكون لي ولك شأن.
فذهبوا إلى الرجل، وأتوا به إلى عمر -وفي هذه الفترة جهز عمر عراجين النخل، وهي: عصي لدان، لا يضرب بها إنسان إلا رأى رشده، أو إنسان موسوس إلا خرجت الوسوسة من ذهنه، أو إنسان مصروع إلا خرج الجانُّ من قلبه وفؤاده، فرشها عمر بالماء وتركها، ثم قال عمر: عليَّ بالرجل.
فأُدخل، فقال للرجل: من أنا؟ قال: أنت أمير المؤمنين.
قال: أمسكوه، فأمسكوه بأيديه وأرجله؛ لأن هذا علاجه لا فتيا ولا مناقشة، فدبغه ظهراً لبطن.
كل بطاح من الناس له يوم بطوح لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح
فلما بطحه ظهراً لبطن حتى أغمي عليه، فرشوه بالماء؛ فاستفاق -أصبحنا وأصبح الملك لله- فأخذه فبطحه حتى أصبحت دماؤه في الأرض، ثم استيقظ، قال عمر: أعرفتني؟ قال: أنت أمير المؤمنين!!
فقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد علاجي فقد شُفيت -والحمد لله- قال عمر: اذهب ولا تكلم أحداً، ولا يكلمك أحد أبداً.
فكان لا يسلم على أحد ولا يسلم عليه أحد، حتى كُتب إلى عمر أن الرجل قد صلح واستقام، فقال عمر: كلموه.
بهذا الأسلوب منع عمر قضية التكلم في كتاب الله عز وجل، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنع الكلام الغير مسئول والتمحل والابتداع لأنه يريد أن يقيم الأمة على كتاب وسنة.