[تكنية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه ومحبتهم لها]
ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام، كان يكني أصحابه، وهذا من أدبه الذي أدبه الله به، ومن حسن خلقه ورقته وسماحته، فقد كنى بعضهم بكنى ظاهرها فيه مذلة ولكنها من باب التبجيل، فكانت أحب الكنى إلى الصحابة.
فـ علي كنيته أبو الحسن، فأتى عليه الصلاة والسلام -كما في حديث سهل بن سعد الساعدي في البخاري - فوجده نائماً في المسجد؛ فأخذ يوقظه صلى الله عليه وسلم برجله بلطف، ويقول: {قم أبا تراب! قم أبا تراب! قم أبا تراب!} فقام رضي الله عنه.
والقصة ملخصها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع اختلافاً في وجهات النظر بين علي بن أبي طالب صهره، وبين فاطمة الزهراء بنته عليه الصلاة والسلام، فذهب إلى البيت ليصلح بين الزوجين، وهذه هي الواقعية في حياة المسلمين، أن الخطأ أو اختلاف وجهات النظر قد يحدث حتى في بيوت النبوة، فذهب فلم يجد علياً، قال: أين هو؟ قالت فاطمة: تغاضبنا وخرج من بيتنا إلى المسجد، فذهب عليه الصلاة والسلام وراءه ليأتي به، فوجده قد نام، ووجده رضي الله عنه وأرضاه قد تدثر في التراب؛ لأنه لم يكن له بساط، والمسجد لم يكن له فرش، أسد نام على الثرى.
جسد لفف في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد
فأيقظه، وقال: {قم أبا تراب!} فكان الأمويون -أهل الشام - إذا غضبوا على علي بن أبي طالب، قالوا: أبو تراب، فيقول علي: هي أحب الكنى إليَّ؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يكنيني بها.
وبعض الناس يفهمون بعض المدح أنه ذم، فكانوا يسبون عبد الله بن الزبير ابن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعنه، ويقولون: ماذا يفعل ابن ذات النطاقين؟ يعيرونه بـ ذات النطاقين، وقد سمعوا هذا الكلام فقالوه، والذي سماها بهذا هو المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأنها شقت نطاقها؛ فربطت بواحد الطعام وتمنطقت بواحد، فقال: {ذات النطاقين في الجنة}.
فلما سمع ابن الزبير أنهم يسبونه بهذا، تمثل بقول أبي ذؤيب الهذلي في قصيدة طويلة:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها فأول شاة سيرة من يسيرها
وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاةٌ ظاهر عنك عارها
وفي الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذهب إلى الخندق والصحابة يحفرون الخندق، ومعهم زيد بن ثابت ذاك الشاب الحافظ للقرآن، العاقل، الأريب، زيد بن ثابت الذي كتب بيده القرآن من أوله إلى آخره، فلا مست النار يده أبداً، نقله من الصحف واللخاف والرقاع والعظام ونقله في مصحف.
فمر عليه الصلاة والسلام والناس يحفرون في أول النهار، والجو بارد معتم، فمر وإذا بـ زيد بن ثابت في سلاحه، ومعه مسحاة، وقد نام من كثرة السهر والتعب في الليل، فأيقظه صلى الله عليه وسلم بلطف، وقال: {قم أبا رقاد! قم أبا رقاد! قم أبا رقاد!} رقد فأعطاه صلى الله عليه وسلم هذا؛ لأن الحالة تناسبه، فكانت من أحب الكنى إلى زيد بن ثابت، والرسول صلى الله عليه وسلم إذا وسم أحد الصحابة بسمة كانت أحب ما يلقى أو ينادى به.
وأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، كانت له هرة يعتني بها، فكني بـ أبي هريرة، فربما ناداه صلى الله عليه وسلم يا أبا هر! ولذلك قال البخاري: باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً، فقال: يا أبا هر، وأبو بكرة هذا من الصحابة نزل من الطائف على بكرة، وقيل: أنزل متاعه على بكرة، فرآه صلى الله عليه وسلم، فقال: {أنت أبو بكرة} فسمي عند العلماء والحفاظ والنقلة وأهل السير أبو بكرة.