[من أدعية إبراهيم عليه السلام]
إبراهيم عليه السلام كان يدعو حتى وصل إلى الذنب والخطيئة فقال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:٨٢] احترام ووجل وخوف، ما قال: والذي يغفر لي خطيئتي يوم الدين، مع أن الله غفر له لأنه نبي، لكن قال حياء من الله: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:٨٢] ثم دعا بدعوات صالحات: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء:٨٣] أمتني على لا إله إلا الله، وعلى الدين الخالص: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء:٨٣ - ٨٥].
ما هو لسان الصدق في الآخرين؟ الذكر الحسن، أن تموت ولك ذكر حسن في الناس:
وإنما المرء حديث بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى
علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، أتاه رجل أعرابي، فقال: أريد منك حاجة يا أمير المؤمنين! -وهذه يذكرها ابن قتيبة - فقال علي: اكتب حاجتك على الأرض لئلا تصب ماء الحياء والمروءة من وجهك -يقول: لا أريد أن أحرجك وأخجلك، فلعل هذه الحاجة طلب شيء، لأن بعض الناس يستحي أن يطلب- فكتب على الأرض حاجته، فأتى علي فقضى حاجته.
وقد كان أمير المؤمنين في الكوفة، فقال الأعرابي وقد أعطاه حلة ومالاً كما طلب:
كسوتني حلة تبلو محاسنها لأكسونك من حسن الثنا حللا
قال علي: ذلك خير، يقول: والله لأثني عليك في الناس أحسن من هذه الحلة التي أعطيتني، قال علي: ذلك خير.
أتى وفد غطفان إلى عمر وفيهم أبناء هرم بن سنان، شيخ قبائل غطفان، وهو الذي أصلح بين قبيلة عبس وذبيان في معركة استمرت أربعين سنة، حتى كانت ديات القتلى آلاف الإبل، وقد قالت قبيلة عبس وذبيان: لا نصطلح حتى تودي قتلانا أنت -شيخ قبيلة غطفان- قال: قتلاكم عندي أوديهم، فذهب هرم في قبائل العرب فجمع الديات وسلمها وأصلح بينهم، حتى يقول له زهير يمدحه:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
يميناً لنعم السيدان وجدتما على كل حال من سحيل ومبرم
ثم مدحهم مدائح سارت بها الركبان، وكانت العرب تسمر عليها، فأتى أبناء هرم بعد موت زهير الشاعر وموت أبيهم، فقال عمر لأبناء هرم: ماذا أعطيتم زهيراً؟ قالوا: مدحنا فأعطيناه، قال عمر: ذهب والله ما أعطيتموه وبقي والله ما أعطاكم، وهو الذكر الحسن، والذكر الحسن لا يتأتى إلا للمؤمن، والله لو حاول الفاجر أن يجمع الدنيا ويجعل الدنيا صحفاً ويجعلها مجلات ودعايات، ويجعلها لوائح ولافتات، والله لا يقود القلوب إلا من خلق القلوب.
قال البخاري في الصحيح، في كتاب الرقاق: باب: المِقة من الله، أي: الحب من الله، كل شيء يستطيع أن يتصرف فيه العبد إلا الحب هذا، ثم أتى بحديث: {إن الله عز وجل إذا أحب عبداً قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فتحبه الملائكة، ثم يضع الله له القبول في الأرض -حتى يشرب قبوله وحبه مع الماء البارد- وإذا أبغض عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فتبغضه الملائكة، ثم ينزل له البغض والمقت} حتى يشرب الناس بغضه وكراهيته مع الماء البارد.
فالحب من الله تبارك وتعالى وهو لسان الذكر في الخالدين، فيحرص عليه المؤمن بأن يحسن سريرته مع الله، وبالصدق مع الله تبارك وتعالى.