أما طعام أهل النار فالزقوم، {لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت طعام أهل الدنيا عليهم، فكيف بمن كان طعامه الزقوم} رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة، بأسانيد صحيحة، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنها:{طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}[الصافات:٦٥] قال الأصمعي: جمع هارون الرشيد العلماء والأدباء قال لهم: كيف يصف الله لنا طلع الزقوم بأنه كرءوس الشياطين ونحن ما رأينا رءوس الشياطين؟ فسكتوا جميعاً فدخل أحد الأعراب من أهل اللغة، فقال: فيم تتحاورون؟ أعرضوها علي، قالوا: وصف الله لنا طلع الزقوم بأن طلعها كأنه رءوس الشياطين، فكيف يصف لنا شيئاً ما رأيناه؟ قال: إن العرب تصف شيئاً معلوماً بشيء مجهول تسمع به، قالوا: أتحفظ شيئاً؟ قال: أحفظ قول امرئ القيس:
والأغوال مارأيناها، فيصف المسنونة الزرق، كأنيابها يعني: الرماح، يقول هذا امرؤ القيس الفاجر، وقد دخل على امرأة غير محرم له ويقول:
حلفت لها بالله حلفة فاجر لناموا فما إن من حديث ولا صال
فقالت: لحاك الله إنك فاضحي ألست ترى السمار والناس أحوالي
ثم تهدده بزوجها، وتقول: زوجي سوف يقتلك، قال -وهو قائد الشعراء إلى النار، وقائد الحداثة، وبالمناسبة قد يأتي من شعرهم شعر مليح وفصيح وجميل، لكنهم مفسدون في قلوبهم المظلمة التي ما رأت النور- قال:
يقتلني والمشرفي مضاجعي أي: سيف أو رمح يصنع في بلاد مُشْرَف.
المشرفي: رمح وقيل: سيف، و (مضاجعي مسنونة زرق كأنياب أغوال) يعني: ما يستطيع قتلي، فأحالهم على شيء مجهول تسمع به العرب.
إذاً: العجيب أن الزقوم شجر يحيا وسط النار، وهذه حكمة بالغة، وقدرة نافذة، فسبحان من أخرج الحي من الميت! وأخرج الميت من الحي! لا أرانا الله تلك الأماكن ولا تلك البقاع، وزحزحنا الله وإياكم عن النار.