للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الثاني: شرك الخوف وضعف التوكل]

قلت في كثير من المحاضرات وأقول الليلة: لا أعرف أحداً أمامي من الجلوس يعبد الشجر، أو يسجد للحجر، أو يتمسح بالجدران شركاً بالله عز وجل، لا.

الكل موحد، لكن الذي نخشاه أن بعض الناس ممن يصلي الصلوات الخمس، ويحج البيت، ويعتمر في رمضان، ويصلي التراويح، ويقرأ القرآن، يُخشى عليهم أن يكون عندهم شرك خوف، يخافون من البشر أعظم من خوفهم من رب البشر، وقد وجدناه في الأساتذة، ووجدناه في الطلاب، ووجدناه في الكبار والصغار، ولا نبرئ أنفسنا، وجدنا أن منهم قطاعاً هائلاً يخافون من البشر أعظم من خوفهم من رب البشر، فيتحسسون في الكلمات، ويتأكدون من العبارات، ويتثبتون في مواقفهم حتى لا يقعوا في إرباك مع البشر، بينما لا تجد هذا التثبت وهذا التأني وهذا الخوف مع الله فأين الخوف من الله؟

يذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن من نواقض لا إله إلا الله شرك الخوف، أن تخاف من غير الله أعظم من خوفك من الله، والله عز وجل يقول: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة:٤٠] ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥] ويقول سبحانه وتعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:٣٦].

عجبت لشاعر نبطي يدعو إلى الله عز وجل، وقد أوذي لأنه يدعو إلى الله، أتظنون أن الداعية لا يؤذى إذا رأيت الداعية لا يؤذى، فاتهم دعوته وإيمانه، والأنبياء والرسل أعظم شاهد على ذلك.

يقول بعض العلماء: إن أهل العلم سلفاً وخلفاً يتهمون العالم إذا لم يؤذ، فهذا الداعية كان شاعراً نبطياً موحداً يدعو إلى الله عز وجل فأوذي، فيقول لدعاة الباطل: لم تكونوا أشجع مني -سوف أترجمها لكم ببيتين هو نظمها- يقول: لم تكونوا أشجع مني، أراكم شجعان على مبادئكم وهي ضالة.

البعض يقتل تحت الدبابات، وتفجر بهم المجنزرات وهم على البعث، يموتون إلى النار، وفروخ العلمنة يقدمون رءوسهم رخيصة من أجل العلمنة، والشيوعيون في أفغانستان يقتلون بعشرات الألوف لتبقى مبادئهم وهي ضالة، فأين شباب محمد عليه الصلاة والسلام، فيقول فيها:

أنا يا كرى مثلك يحب العلى شجعان يراهن براسه ما يخاف الشمالِيَّه

أنا بعت راسي من محمد ولد عدنان قبضت الثمن والله يشهد على النيه

هذه أبيات رهيبة جداً، يقول: أنا يا طاغوت! أشجع منك، تهددني بالموت لكي أقدم مبادئي ودعوتي وعقيدتي (أنا يا كرى مثلك يحب العلى) كلنا يحب العلى، وكلنا يريد المجد، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤].

يقول: إن كنتم تألمون من الجراح وضرب السيوف والطلقات النارية والقذائف والصواريخ، فهم يألمون مثلكم، لكن أنتم ترجون جنة وهم لا يرجون شيئاً، ولذلك النابغة الجعدي أحد الشعراء وقد وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:

سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا

بلغنا السما مجداً وجوداً وسؤدداً وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

قيل: إلى أين يا أبا ليلى؟ قال: إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: {لا فض فوك}.

أيها الإخوة! لماذا لا نتوكل على الله؟ لماذا لا ننزع الخوف من البشر؟ لماذا لا نقدم دعوتنا للناس؟ لماذا لا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ثم نعتمد على الله؟ هل علمتم أقوى من الله؟ يقول سبحانه: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:٣٦] وكل من غير الله دونه، ويقول سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:١٧٥ - ١٧٤].

شاب أتى من بعض المستشفيات قال: رأيت كثيراً من النساء عاريات وشبه عاريات، يعني بملابس مغضبة لله مع الاختلاط، فقلت: لماذا لم تنه عن المنكر والله عز وجل يقول على لسان لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:١٧]؟ قال: أخاف، قلت: فلماذا تقول في الصباح: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً؟ ولماذا تقول: لا إله إلا الله؟

إنسان يرى مجلات خليعة تباع بالعشرات، هادمة هابطة، المجلة الواحدة تستطيع أن تدمر شعباً كاملاً، فلماذا لا تنهى عن المنكر بالتي هي أحسن، وتنصح صاحب المحل، ويأتي غيرك من الشباب ينصحونه، وغيركم يتحدث حتى تصبح ظاهرة، وتصبح مسألة تدار في المجتمع؟

وآخر قال: رأيت مضيفة وقد جرحت مشاعر المسلمين بهيكلها وتصنعها وتثنيها، قلت: ولماذا لا تنهى وتأمر؟ قال: أخاف، هذا واقع كثير من الشباب، وهي من نقاط الضعف ومن المعوقات عن تحمل العبء والرسالة الخالدة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>