للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاعتراض على القدر]

ومن علاماتهم: الاعتراض على القدر, قال سبحانه في المنافقين: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:١٦٨] لو أطاعونا، أي: عندما خرجوا إلى أحد، قال لهم المنافقون: لا تخرجوا إلى أحد، لا تقاتلوا, اجلسوا معنا, فعصوهم وخرجوا، فقتلوا شهداء في سبيل الله, فيقولون -يتبجحون في المجالس-: أشرنا عليهم، قدمنا لهم النصيحة، أوصيناهم، ولكن خالفونا، ولو أطاعونا ما قتلوا, قال سبحانه: {قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: ١٦٨] والله أنتم كذبة، وسوف تموتون لكن كما تموت الحمير.

لعمرك ما الرزية فقدُ مالٍ ولا شاة تموت ولا بعير

ولكن الرزية فقدَ شهمٍ يموت بموته بشر كثير

يقولون: من يموت في ممسى الدجاج مثل من يموت بالسيف في سبيل الله, هذا ميت وهذا ميت, لكن ذاك في سبيل الله، وهذا ميت من الميتين, ومن يموت في الخمارة ويغص بالخمر كمن يموت في سبيل الله في الظاهر, لكن ذاك في الجنة وهذا معرض للعذاب والعياذ بالله.

فطعم الموت في أمرٍ حقير كطعم الموت في أمرٍ عظيم

أو كما قال

إذاً: فالاعتراض على القدر من علامات النفاق, والمؤمن يسلم بالقدر: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:٢٢] وقال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٤٩ - ٥٠] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:١٥٥ - ١٥٦] والمنافق يعترض, يموت ابنه في الحادث فيقول: لماذا خرج بدون إذني؟!

هذا السائق متهور! هو الذي صدمه! لو ترك الابن الخروج! ويلوم الناس؛ وهذا كفر بالقضاء والقدر, وهي علامة النفاق, لا.

قل: آمنت بالله وسلمت.

كل شيء بقضاء وقدر والليالي عبر أي عبر

وفي صحيح مسلم عن سهيل مرفوعاً: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء فشكر كان خيراً له, وإن أصابته ضراء فصبر كان خيراً له, وليس ذلك إلا للمؤمن}.

قال عمر: [[والله لا أبالي أمطية الفقر ركبت أو مطية الغنى]].

فسبحان الله! كيف أرضى الله أولياءه بالقضاء والقدر, وكيف أحرم المنافقين لذة الإيمان بالقضاء والقدر, ومع ذلك سوف يذوقونها مراً ثم يعرضون على الله وهم نادمون.

يقول أبو تمام لأحد إخوانه يعزيه يقول:

أتصبر للبلوى رجاءً وحسبة فتؤجر أم تسلو سلو البهائم

يقول: إما أن تصبر وتحتسب وإلا والله لتسلون كما تسلو الدابة عن ولدها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>