للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حب الرئاسة]

قال شداد بن أوس: يا بقايا العرب! إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية.

قيل لـ أبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة.

فهي خفية تخفى على الناس وقد تخفى على صاحبها، وقد ذكرها ابن تيمية في المجلد السادس عشر من الفتاوى، وهذا كلام صحيح، فإنك قد تجد العبد يصلي الصلوات الخمس ويقوم الليل ويصوم النوافل وهو يحب أن يترأس على زملائه، ويحب أن يكون دائماً المقدم، حتى تجد أنه تنشأ حب الرئاسة وحب العلو في الأرض مع الطلبة، فتجد أحدهم حتى في الابتدائية يحب أن يكون عريفاً على الطلاب ويحب أن يكون هو قائد المنتخب، ويحب أن يكون هو مشكل المجموعة والمدير حتى في الحلقات الصغيرة، ويحب أن يكون صاحب المسئولية، وهذا من حب الرئاسة في قلبه، حتى ذكروا عن بعض الزهاد أنه بلغ به حب الرئاسة وحب التصدر إلى أن سفك دماء الأمة كما فعل محمد بن عبد الله بن تومرت وهو رجل فيه ربانية وفيه تأله كثير، وكان زاهداً عابداً من أهل المغرب، وقد ذكره الذهبي وترجم له ترجمة طويلة وكان يصلي الليل ويبكي من خشية الله عز وجل، وركب في سفينة إلى الإسكندرية ما معه إلا ثوب ومعه إبريق يحمل فيه ماء ومعه عصا، وكان لا يرى منكراً إلا غيره، فكان يضرب الخمر ويكسر جرار الخمر وهو راكب في السفينة، فأخذوه ورموا به في البحر بإبريقه وبعصاه فركب في خشبة حتى صعد إلى جزيرة، فأتى إلى أهل الجزيرة، فأنكر عليهم فأعادوه في البحر فركب في قارب آخر فأدخلوه إلى تونس، فدخل في مسجد في تونس فوجد أهل البدع فضربهم بعصاه فحبسوه في تونس، ثم أخرجوه إلى المغرب فأنكر في المغرب، فحبسوه مراراً كثيرة ثم ذهب إلى جبال في أقصى المغرب، واعتصم بتلاميذه ورباهم ثم أسس دولة الموحدين هو بنفسه، حتى يقول:

والله والله لو نفسي مشردة ما كنت عن ضرب أعناق الورى آبي

بأبيات طويلة، يقول: والله لو عرضت لي أعناق الورى وأعناق الظالمين لضربتها جميعاً، فأوصله هذا الأمر إلى أن أخذ المخالفين له، حتى ممن خالف في بعض الأمور فكان ينكسهم في الآبار على رءوسهم حتى ماتوا، بعض المسلمين حتى من أهل الأهواء أو البدع لكنهم مسلمون في الجملة، وكان إذا خالفه مخالف أخذ السيف وضربه فقسمه نصفين، وله كتاب المرشدة وأمره إلى الله عز وجل، إنما ذكرته مثالاً لأمثلة العباد الزهاد الذين قد يحبون العلو في الأرض والله المستعان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>