بدأن بالدور، فقالت الأولى:{زوجي لحم جملٍ غثٍ، على رأس جبلٍ وعر، لا سهلٍ فيرتقى ولا سمينٍ فينتقل} وصفت زوجها وصفاً سيئاً رديئاً تقول: مثل لحم الجمل، ولحم الجمل أردأ اللحوم، وهو يثير نزلة معوية عند كثيرٍ من الناس، فتقول: انظروا للحم الجمل هو مثله، ليس كلحم الضأن أو كلحم الأرانب أو كلحم الدجاج، إنما هو كلحم الجمل، يقولون: لحم الجمل لا يعصد فيصبح ثريداً، ولا يخلط فيصبح مرقاً، وإنما يضطر إليه اضطراراً ولو أن بعض العرب تشرف به وتأخذه، وليته لحم جمل وكفى، قالت: غث، والغث الهزيل، كجملٍ قحمٍ ساق به أهله ثم ذبحوه فانظر إلى لحمه على عظامه، قالوا: قليل الخير إن أتى عبس، وإن خرج أفلس، وإن دخل ضرب، وإن قام شجب، لا يأتي بخير، ولا يذهب بخير، كَلٌّ على مولاه، صخابٌ لا يقيم ديناً، ولا يحترم مروءة، وهذا مثل: قليل البركة في البيت الذي لا بركة فيه من دخوله على أهله، فلا يربيهم على شعائر الإسلام، وإنما يترك الحبل على الغارب بالملاهي والأغاني واللعب واللهو:{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}[الأنعام:٧٠].
قالت:{على رأس جبلٍ وعر} على أنه لحم جمل وهزيل فهو على رأس جبل، والجبل ليته سهل، لكنه وعر وصعب {لا سهلٍ فيرتقى، ولا سمينٍ فينتقل} عبرت أنه شديد بالمال يعني: عنده سبعة أقفال، ومفتاحه في غترته، ولا يفتح حتى يقرأ آية الكرسي، وإذا فتح قلل العطاء، ويسأل عن أعواد الكبريت، وعما دخل وعما خرج، والسمن عنده بالملعقة، والدقيق بالدانق، فهو كأبي الدوانيق أبي جعفر المنصور، يقولون: أبو جعفر المنصور كان يحاسب مواليه على الثياب التي يلبسونها، وعلى الدراهم التي يأخذونها، وكانت في خزينته آلاف الملايين من الدنانير، تبني مدناً، ولذلك أبناؤه وبني أبنائه بنوا مدناً، على كل حال قالوا: عرف بالشراسة، وقالوا: قليل الخير، لا يتبسم إلا نادراً، بعض الناس لا يتبسم في ستة أشهر إلا مرة، ويتبسم في السنة مرة أو مرتين أو يخطئ أحياناً فيتبسم، وهذا خلاف نهج محمد عليه الصلاة والسلام {سئلت عائشة عن خلقه عليه الصلاة والسلام إذا دخل فقالت: كان ضحاكاً بساماً} ونحن لا نغير من طبائع الناس، ولكن على الإنسان أن يتوازن، ولا نقول: إن الإنسان معصوم ولكنه قد يهذب من حاله ومن روحه مع أهله قليلاً قليلاً، لكن اسمعوا لأخبار النساء وأقول لأحدكم: لا تستبعد أن امرأتك تقول في غيبتك كهذا الكلام، المرأة لا بد أن تتكلم في زوجها، ولو قالت: إنها لا تذكر خبره، بل تتكلم وتترجم له وتحاضر عنه الليل والنهار.
قالت:{لا سهلٍ فيرتقى، ولا سمينٌ فينتقل} هذا لم يكن له جانب حسن فيعذر به، أبو سفيان يقولون: كان حسن الخلق لكنه شحيح على أهله، ولذلك شكته هند بنت عتبة، بنت الملأ الأشراف من قريش {أتت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجلٌ شحيح، فهل آخذ من ماله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف} فللمرأة إذا منعها زوجها من النفقة أو العطاء، أو من اللباس، أو النفقة الضرورية، أو منعها من أن تعطي أبناءها ما يذهبون به إلى المدرسة، أو الملابس، أو الطعام، فلها أن تأخذ من ماله بدون علمه لكن بالمعروف، لا تفسد ماله بل تأخذ قدر الحاجة ولا تزيد عليها، ولا تستأذنه ولا تخبره؛ لأن هذا رخصة من محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا رخص صلى الله عليه وسلم فلا نعود لأحدٍ غيره:
خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحلِ