[تثبت الصحابة والتابعين في قبول الأحاديث]
وقبل أن أبدأ في سرد الأحاديث الضعيفة الواهية أو الموضوعة التي أحذر نفسي وإياكم من الاستدلال بها في المجالس، أو في الأندية، أو في المجامع العامة، أذكر فصلاً وهو تثبت الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم في قبول الحديث.
في الصحيحين عند البخاري ومسلم: {أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه أتى إلى عمر بن الخطاب -وعمر خليفة- يريد أن يكلمه في بيته فطرق على عمر الباب فلم يرد أحد، فاستأذن مرة ثانية فلم يفتح له، فاستأذن ثالثة فلم يفتح له؛ فذهب أبو موسى، وفتح عمر الباب ونادى أبا موسى قال: تعال، ما لك عدت؟ قال: سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع، قال عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لتأتينَّ بشاهد لك على هذا أو لأوجعنك ضرباً} وهو رضي الله عنه يعلم أنه صادق ولكن يريد أن يتثبت من الرواية، ولا يكون الإنسان كلما تأتيه قضية يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث وفي الأثر، وهذا خطر عظيم على طلبة العلم فكيف بالعامة؟!
فذهب أبو موسى إلى الأنصار، فاستشهدهم فقام معه أبو سعيد فشهد عند عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال الحديث.
وكان ابن مسعود فيما صح عنه -وهذا يرويه جمع من أهل العلم كـ ابن ماجة وغيره- إذا قام يوم الخميس يعظ الناس، يرتعد وينتفض ويرتعش خائفاً أن يوقع كلمة مكان كلمة أو يخطئ في لفظة، حتى إذا انتهى قال: أو شبه هذا أو نحو هذا أو مثلما قال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حذراً أن يزل في حرف لم يقله عليه الصلاة والسلام.
ويقول الدارمي راوياً عن أنس: [[لولا أن أخطيء على الرسول عليه الصلاة والسلام لحدثتكم بأشياء سمعتها منه]].
وصح أن عروة بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: كان أبي إذا أراد أن يتبرد في الحر وضع ثيابه أي: نزع ثيابه وكنت ألعب في آثار الجروح التي أصيب بها في المعارك.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
تخيرن من أزمان يوم حليمة إلى اليوم قد جربن كل التجارب
هذا الزبير بن العوام يأتي يوم القيامة والشهادات في آثار جسمه رضي الله عنه وأرضاه مما أصيب به في سبيل الله، يقول له ابنه: ما لك لا تتحدث إلا كالسحابة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار} فكانوا يحذرون أشد الحذر!!
قال الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية: إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالماً.
هذا ذكره صاحب معرفة علوم الحديث، لا يسمى عالماً من يورد السقيم، حتى يقول الشاعر:
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
ونصيحتي للإخوة خطباء المساجد وطلبة العلم والأساتذة، إذا أرادوا أن يحضروا موضوعاً أن يراجعوا الأحاديث، وأن يخرجوها أو يسألوا طلبة العلم، ولا يقول قال الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يدري من أخرجه ومن رواه، وهل هو صحيح أو ضعيف أو باطل حتى يكون على بينة؛ لئلا يفتري على الله.
تجد أن بعضهم من أسهل ما يجد عليه أن يورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أحاديث، وهذا خطر عظيم.