[التخصص في الإسلام]
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل أهل التخصصات في تخصصاتهم، الشاعر له مكانه، والفقيه له مكانه، والأصولي له مكانه، والمجاهد كذلك، ولكنه صلى الله عليه وسلم وظف هذه المواهب والعقليات بأمكنتها، فما أعطى هذا حق هذا.
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:٦٠].
أتى خالد بن الوليد، فما هو تخصصه؟
هل تخصص خالد صاحب البنية والشجاعة والبسالة والإرادة والقوة العسكرية أن يجلس يقسم الفرائض بين الجدة والعمة؟
لا.
أنت يا خالد! سيف من سيوف الله، سلك الله على المشركين، مهمتك أن تفصل الرءوس من أكتافها.
زيد بن ثابت: عقلية عينية منظمة {أفرضكم زيد}.
علي بن أبي طالب: صاحب قضاء وبراعة أصولية في عقله، قال: {أقضاكم علي بن أبي طالب.
} أبي بن كعب: سيد القراء، الذي قرأ عليه صلى الله عليه وسلم بأمر الله من فوق سبع سموات كما في صحيح مسلم، نزل جبريل فقال: {يا رسول الله إن الله! أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:١] فذهب صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه، فذهب صلى الله عليه وسلم كما يذهب الفاضل إلى المفضول فقرأ عليه، فقال: يا رسول الله! أمرك ربك بهذا؟ قال: نعم، قال: وسماني بالملأ الأعلى، قال: والذي نفسي بيده لقد سماك} ثم أخذ يبكي، أي: عظمة أن هؤلاء البدو يسمون عند الله مع الملائكة في الملأ الأعلى، يطلع الله على جنود السموات ويقول الله: أبي بن كعب، يقرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا اليوم.
أيَّ أمة هذه الأمة التي خرجت من بين التراب ومن الصحراء لا تعرف شيئاً ولا تفهم ولا تعي، إلى أن يصبح يتحدث بها فوق النجوم، سبحان الله!
فلذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي أهل التخصصات تخصصاتهم.
يأتي حسان رجل قافية، شاعر نجيب، وزارة أعلام متنقلة!
فخصصه صلى الله عليه وسلم في الشعر، وقرَّب له المنبر، وقال: {اهجهم وروح القدس معك}.
وأبو بكر ما هو تخصصه؟
أما أبو بكر فهو شيخ مجاهد، أبو بكر هذا متكامل عظيم، ترجم له ابن القيم، ثم وقف، وقال:
من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول
أما جسمه فنحيل، وأما بنيته فضئيلة؛ لكنه أول الذاكرين، وأول الزاهدين، وأول الصائمين، وأول المتصدقين، نزلت عليه أبواب الخير، ويدعى يوم القيامة من أبواب الجنة الثمانية جميعاً.