[التفكر في آيات الله الكونية]
أيها المسلمون: أقف معكم في بعض الآيات في التوحيد وأشرحها.
يقول ابن كثير: رئي أبو نواس في المنام، والمنامات عندنا لا نتركها تركاً، ولا نجعلها أصلاً، ولا نعلق عليها أحكاماً، والذين قالوا: لا نأخذها ولا نذكرها، أخطئوا، والذين قالوا: نعتبرها أصولاً وأحكاماً أخطئوا، والوسط أنها مبشرات، وقد ذكرها عليه الصلاة والسلام والسلف.
هذا الشاعر رئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: بقصيدتي في النرجس وهي قصيدة اسمها النرجسية في ديوان أبي نواس، يذكر توحيد الله في الورود؛ لأن الله خلقه في الكون {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩١].
والتوحيد أمر عجيب! هناك بعض الكبار لا يكتبون ولا يقرءون، لكن توحيدهم أعظم ممن يحمل رسالة الدكتوراه، فبعض الناس عنده دكتوراه لكن لا يصلي في المسجد، عنده فقط تصحيح المخطوط، وطبعة بولاق على دار الشروق، وأخر صلاة المسجد حتى الشروق! فما صلى لأنه مشغول برسالته، وسوف يجد الرسالة العظمى تنتظره عند الله، فليست المسألة بكثرة المعلومات التي تصب في سلة الأذهان، إنها سلة مهملات، لا تقيم وزناً في حياة العبد.
بعض الناس لا يقرأ ولا يكتب، لكن قرأ التوحيد في الكون.
وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتاب
يقرأ التوحيد في السماء والأرض.
الرسول صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ، وأول ما أنزل الله إليه قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١].
قال أهل العلم: أين يقرأ عليه الصلاة والسلام، هو لم يقرأ ولم يكتب، قالوا معنى الآية: اقرأ في كتاب الكون، اقرأ في السماء اللامعة، اقرأ في النجوم الساطعة، اقرأ في الجدول والغدير، اقرأ في الماء النمير، اقرأ في الشجر، اقرأ في القمر، اقرأ في كل شيء.
يقول أبو نواس:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
يقول لماذا لا تتفكر في الأرض؟ {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:٩ - ١١] قال:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجينٍ شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك
فأدخله الله الجنة، لأنه وحّده، وعرف أنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا الكون، هذه قضية لا بد أن تفهم.
خرج أهل اليمن من صنعاء، يطلبون الغيث من الله، وكان معهم شيخ علم أمامهم، فلما استسقى بهم، ألقى قصيدة اسمها" قصيدة الاستسقاء" منظومة على وزن منظومة ابن دريد: يا ظبية أشبه شيء بالمها، يقول:
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزل مهما هفا العبد عفا
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا
لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى
كم فرج من بعد يأسٍ قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى
إلى أن ذكر الاستسقاء، فما انتهى منها إلا والناس يبكون والغيث يملأ البلاد، هو التوحيد الخالص، وهو التوحيد الذي يجعلك تترك فراشك لتقوم لصلاة الفجر في شدة البرد.
هذا التوحيد عاش مع أبنائنا، وبعض شبابنا في أمريكا وبريطانيا ودول الغرب، وهم بين دول الكفر، عندنا شاب طالب علم من الجزيرة، خرج بلا إله إلا الله ملئ قلبه، ما خرج بالغناء الماجن، ولا خرج بهل رأى الحب سكارى مثلنا، بل خرج بلا إله إلا الله، ووصل إلى لندن هناك، وكان مع أسرة إنجليزية، يعمل معهم، ويسكن معهم، وكان إذا حانت صلاة الفجر بتوقيت لندن، قام إلى الصنبور وفتح الماء وتوضأ، وقام يصلي، فتقول له عجوز إنجليزية: مالك تقوم في هذه الساعة؟! قال: أصلي، قالت: لو أخرت قليلاً؛ فإن الجو بارد، قال: لو أخرت ما قبل الله مني صلاتي! فهزت رأسها، وقالت: هذه إرادة تكسر الحديد، إرادة لا إله إلا الله، وقوة لا إله إلا الله، أن تجعل الشاب هناك وهو يعيش بين المعاصي والمنكرات والشهوات، يعيش كأنه من الصحابة، والله وجد هناك من يعيش في تلك البلاد الآثمة البغيضة اللعينة، وهو يقوم الليل ويصوم الإثنين والخميس، ويقرأ القرآن، ويدعو، ويجوب الولايات كلها، للدعوة إلى سبيل الله، لصدق لا إله إلا الله، ووجد عندنا هنا عند الركن والحطيم من لا يصلي الصلوات الخمس، حكمة بالغة، وقدرة نافذة، فما تغني النذر؛ لأن أولئك حملوا التوحيد الخالص الذي أتى به عليه الصلاة والسلام، وأما هؤلاء، فإنهم ركنوا إلى الشهوات والفروج والبطون فنسوا معالم لا إله إلا الله.