[قصص مكذوبة]
وهناك قصص موجودة، يذكرها بعض الوعاظ، جُمِعَت في شريط اسمه: قصص مكذوبة، فهي تُذْكَر يوم الجمعة على المنبر، والعلماء يصلُّون مع مثل هؤلاء الخطباء، مثل: قصة توبة مالك بن دينار، هذه قصة باطلة، لا أساس لها، أنه كان له ابنة، ثم ماتت البنت، ثم كان يشرب الخمر، وكان جندياً، ثم رآها في المنام، وقد فرَّ من ثعبان، فأنقذته بإذن الله، ثم تاب، ثم توضأ، ثم صلى وراء الإمام الشافعي، فهي قصة مكذوبة من نَواحٍ:
- أولاً: سندها باطل.
- ثانياً الإمام الشافعي لم يكن حياً آنذاك، فلقد وُلِدَ الإمام الشافعي بعد مالك بن دينار بما يقارب سبعين سنة، فكيف يصلي وراءه الفجر؟ أتظن أن الشافعي وُلِدَ في ليلة وكبر، ثم صلى إماماً بالناس؟! مالك بن دينار في عهد الحسن والشافعي بعده، قبل أحمد بسنوات، هذا أمر.
- ثالثاً: مالك بن دينار لم يتزوج.
- رابعاً: مالك بن دينار كان صالحاً من الصغر.
أيضاً: مثل قصة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم التي ينقلونها عن معاذ وهي موجودة في شريط في الأسواق، وأنه في اليمن، لما أتاه الخبر، حثا بالتراب على رأسه، وهذا خطأ، ما كان لـ معاذ أن يفعل ذلك، ثم قالوا: وكان معاذ يأتي يطرق الباب على أبي بكر، ويقول: أخبرني بوفاة الحبيب، فيلقي عليه أبو بكر محاضرة من وراء الباب، قال:
مَن بالباب؟ مَن فَجع الأصحابْ؟ مَن وَلَّهَ الأحبابْ؟
ثم يلقي قصيدة، والقصيدة من قصائد مجنون ليلى ومجنون ليلى وُلِدَ بعد أبي بكر بمائة وخمسين سنة.
أيضاً من القصص المشهورة: ما يُنْسَب إلى عمر، أنه سأل المَلَكَين في القبر، فقال: من ربكما؟ ما دينكما؟ من نبيكما؟
ومثل: قولهم: إن أبا بكر رضي الله عنه سلم الله عليه وقال على لسان جبريل: بلِّغ أبا بكر السلام، وقل: إني رضيت عنه، فهل هو راضٍ عني؟ فقال أبو بكر: نعم، ولكن والله لا آمَنُ مكرَ الله ولو كانت إحدى رجليَّ في الجنة والأخرى خارج الجنة؛ فهذا ليس بصحيح، وليس بثابت، ولن يقوله.
من القصص أيضاً: قصة علقمة وأمه، أنه كان لـ علقمة أمٌّ، وكان يقدم زوجتَه عليها، فلما حضرته الوفاة عُسِّرَت عليه الشهادة، فما استطاع أن ينطق الشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: اجمعو لي حطباً، لأحرق علقمة، فجمعوا حطباً، فعَفَتْ أمه، فنطق الشهادة، فهذا ليس بصحيح.
أيضاً: قصة ثعلبة، يوردها ابن كثير وابن الأثير: أنه امتنع عن الزكاة، فلم يقبلها أبو بكر، ولا عمر بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومات على ذلك.
هذه تخالف أصول الإسلام، قال الله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة:٥] إلى آخر تلك القصص التي توجد في هذه المحاضرة والله أعلم.
قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، في باب العلم: {مثل ما بَعَثَنِي الله به من الهدى والعلم} انظر إلى الألفاظ المنتقاة، من يستطع أن يصوغ مثل هذه الكلمات؟!
ما بنى جملةً مِن اللفظ إلا وابتَنى اللفظُ أمَّةً مِن عفاء
{مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} هذا السطر الواحد نقف معه وفقات.
يقول: {مثل ما بعثني} ولم يقل: أرسلني، يقول بعضهم: إنما قال: {بعثني} في باب التوحيد؛ لأنه بُعث في قوم أموات، والرسالة تأتي في باب الإخبار، لكن لما أتى إلى قوم أموات، قال: {بعثني} فكأنه يوم بُعِثَ في الأمَّة الأمية، كأنه بُعث حياً في أموات فأحياهم الله عز وجل بدعوته.
{: مثل ما بعثني} ولذلك في باب التوحيد يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} [النحل:٣٦] وفي باب الإنذار والإخبار: قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} [هود:٢٥] {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [نوح:١] وهذه من البلاغة التي كان يستعملها عليه الصلاة والسلام في ألفاظه.
قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم} أليس العلمُ هُدَىً؟ بلى، أليس الهُدَى علماًَ؟ بلى، لماذا لم يكتفِ ويقُل: مثل ما بعثني الله به من الهدى كمثل الغيث، لأن في الهدى علماً؟ ولماذا لم يقل: مثل ما بعثني الله به من العلم كمثل الغيث؟ وإنما قال: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم} والعطف يقتضي المغايرة: فالهدى شيءٌ، والعلم شيءٌ، قال ابن تيمية: "الهدى: العمل الصالح، والعلم: العلم النافع".
فالرسول عليه الصلاة والسلام مبعوث بالعلم النافع والعمل الصالح، فمن عنده علم وليس عنده عمل صالح؛ فهو أشبه باليهود، وهو مغضوب عليه في الدنيا والآخرة، ومن عنده عبادة وليس عنده علم، ولا يعبد الله على بصيرة؛ فهو أشبه الناس بالنصارى، وهو ضال، قال الله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧].
فالعالِم الذي لا يعمل؛ سَمِّهِ مغضوباً عليه، والعابد الذي لا يعلم سَمِّهِ ضالاً، فالنصارى يعبدون الله في الكنائس والمغارات بلا علم، قال سبحانه: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد:٢٧] وقال في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:١٣] وقال في عالِم اليهود: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف:١٧٦] وقال فيهم: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:٥] فوصفهم بالعلم لكن بلا عمل، وغضب الله عليهم، ولعنهم في مواطن كثيرة، وقال: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:٦١].
وأما النصارى: فحذر الله من اتباع منهجهم، فقال: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:٧٧] فهم ضالُّون؛ لأنهم عبدوا الله بلا علم، قال ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "وقد وقع في أصناف الأمة بمشابهتهم لتلك الأمتين ما وقع، فوُجِدَ طلبةُ علمٍ لا يعملون، فهم مغضوب عليهم، ووُجِدَ مِن العُبَّاد من لا يفهمون ولا يسألون، فهم ضالون" هذه مسألة مقررة، ومن استقرأ الواقع وجد هذين الصنفين.
هذه مسألة العلم.
قوله: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث} لماذا لم يقل: كمثل المطر؟ تَرَكَ المطر، وأتى بالغيث.
- يقول بعضهم: الغالب في المطر إذا ذُكِر أن يكون بمعنى: العذاب، كما قال الله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء:١٧٣] هذا في الغالب، ليس على العموم، فترك صلى الله عليه وسلم المطر، وأتى بلفظ الغيث.
- ثم إن في الغيث غوثاً للقلوب.
- ثم إنه صافٍ، الغيث ما زال صافياً، لم يُشَبْ بشائبة، ورسالته عليه الصلاة والسلام لم تُشَبْ بشائبة، بل هي صافية نقية.