[حكم اعتقاد الكرامة والنفع في تيس]
السؤال
وجد في مدينة بحرة تيسٌ له ثديٌ ويُحلب كالماعز، وبإرادة الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن المريض الذي يشرب من حليب هذا التيس يشفى.
ولي ثلاثة أسئلة في هذا الموضوع:
أولاً: هل تكون هذه كرامة للناس _ كرامة التيوس - وماذا نسميها؟
ثانياً: ما حكم الإسلام فيه؟
ثالثاً: ما حكم من اعتقد بأنه لا يشفى إلا بإذن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وإنما هو وسيلة أو سبب، علماً بأنه قد شرب رجل أعمى من هذا الحليب ووضع منه على عينيه فشفي، وكذلك امرأة مريضة بداء السكر وعندما شربت منه شافاها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من هذا الداء، وهذا الرجل كذلك، أرجو الإفادة والتوضيح، والله أعلم؟
الجواب
أولاً: حديث التيس طويل، وقد أُخبرت قبل أن أدخل هذا الدرس أن من قضايا الساعة المطروحة الآن أن تيساً يقابل المحكمة للمحاكمة، والحمد لله تُوصل إلى الحكم بالإعدام على هذا التيس.
وهذا التيس شبهة على كثير من الناس الذين ضعف إيمانهم واتصالهم بالله، وفتنة يمتحن الله بها من يشاء، ويرى سبحانه وتعالى عقول وإيمان من يشاء: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:١٢٤ - ١٢٥].
والفتن والأحداث التي تقع في الأرض والنزاعات والأطروحات والمسائل كلها ليمتحن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى خلقه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٢ - ٣]
فهذا التيس استخدمه بعض الناس المنحرفون، ثم نصبه للناس، والحليب الذي فيه فتنة، وأظنه خنثى مشكلاً وليس معزاً تيساً، ثم أخذ الناس من الجهلة وممن قل إيمانهم ومعتقدهم، أو عندهم ثقافة لكن ليست ثقافة نيرة، ليست ثقافة شرعية، ليست ثقافة قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فانخدعوا بهذا، وسمعت أنهم أخذوا طوابير يحبسون ويأخذون لهم أسماء ويعرضون على هذا التيس هل يجد لهم شفاءً أو علاجاً أم لا؟
وهذا فيه قضايا:
الأولى: كيف تبلغ العقيدة الإيمانية بهذا المجتمع وهذا الشعب المسلم إلى هذا الحضيض، تيسٌ يضحك على ألوف مؤلفة من الناس! تيسٌ يعرض علاجه على العقول التي ما عرفت الله عز وجل! وإنا نشكو حالنا إلى الله عز وجل، سبع جامعات ومؤسسات، ومحاضرات، ودروس، ومكاتب دعوة، وتوعية ثم تأتي القلوب تنتكس إلى هذه الدرجة وإلى هذا الحضيض!
الثانية: لا يسمع الخواجات بما وصلنا إليه من هذا الأمر، أننا أخذنا طوابير على تيس وأننا نطلب منه الشفاء والعافية ونعرض عليه أمراضنا، فإنهم سوف يضحكون علينا، وهم قد ضحكوا علينا مرات كثيرة، لكن هذه المرة لا نريد أن يضحكوا علينا مرة ثانية.
الثالثة: ليته في غير مكة مهبط الوحي، التي سطع منها إشعاع لا إله إلا الله والفتوحات الإسلامية، والتوحيد الخالد، فمحمد من مكة صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد وسعد من مكة، ثم تأتي الخرافة ووراءها أناس من البشر، لا يعرفون دينهم ولا معتقدهم فيلبسون على عقول الناس، هذه مسألة -والله- مخزية.
وأما قول السائل: كرامة الحمير والتيوس، فالأمة يكرمها الله بأن تكون على منهجه، يقول ابن تيمية: الكرامة لا بد فيها من شرطين اثنين، فإذا فقد شرط فليست بكرامة:
الشرط الأول: أن تكون هذه الكرامة على يد رجلٍ صالح يعمل بالكتاب والسنة، قال الشافعي: لا تغتروا بالرجل ولو طار في الهواء، وسار على الماء حتى ترى هل يعمل بالكتاب والسنة.
فهذا شرط، فإنسان مخرف يأتي لنا بخزعبلات؛ يحول الفناجين إلى بيض والبيض إلى فناجين؛ ننظر إليه فنجده يصلي بلا طهارة، ويحلق لحيته، ويلبس الذهب، ويتعامل بالربا، ويزني، فنقول: لعن الله البعيد، هذه شعوذة وليست بكرامة، فالكرامة أن تكون أنت في نفسك تعمل بالكتاب والسنة، كما أجرى الله الكرامات للبراء بن مالك، ولـ العلاء بن الحضرمي يدعو الله فتأتي السحابة للتو وتمطر، وأجراها لـ خالد بن الوليد عندما أخذ قارورة السم، سم زعاف وقال: بسم الله توكلت على الله، وشربها ولم يصبه شيء، وسعد يقول للجيش: بسم الله اركبوا النهر، فيجمد الله النهر لـ سعد، ويمر الخيل، فهذه كرامة لأن سعداً يعمل بالكتاب والسنة.
والشرط الثاني: أن تكون هذه الكرامة لرفع لا إله إلا الله، ولنصرة الدين، فإذا لم يتم هذان الشرطان فليست بكرامة، وإنما هي خزعبلات وخرافات، وتخلف والعياذ بالله.
ابن عربي هذا الملحد الزنديق، الذي يقول عنه ابن تيمية: إن كان صح عنه ما يقول فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، كان يأتي بجبته ويخرج منها دجاجاً وخرفاناً أهذه كرامة؟! بعض الملاحدة يأتي إلى السيخ من الحديد فيقسمه أقساماً ثم يركب منه إنساناً ثم يرده على هيئته الأولى، فهذا ابتلاء وسحر: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه:٦٦].
إذاً فليست هذه بكرامة، بل لا بد من الشرطين الذين ذكرهما ابن تيمية، ومن شك فليعد إلى كتابه المجلد الحادي عشر، فقد تكلم عن الكرامة وغيرها في المجلد الحادي عشر من فتاويه، وقد تعرض لها في المجلد العاشر، فهذا هو العلم المؤصل، أما أن تظل تدخل الأمة وهي ساذجة ضائعة، إن أتاهم ساحر أو بهلواني أو كروي أو مغنٍ أو رقاص صدقوه، فهذا ليس بصحيح، ولذلك هذه الثقافات -ثقافات الصحف والجرائد- لم تنفع أصحابها في الساحة، ولم ينفعهم إلا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنا لا أقول أن طالب العلم يحرم عليه أن يقرأ في الصحف والمجلات، بل لا بد أن يقرأ لكن بعد أن يتزود من ثقافة قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، ويعرف الواقع من الصحف والمجلات
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفانِ
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فلانِ
فيا أهل مكة! الخرافة تجول فيكم وأنتم دعاة التوحيد من أول العهد! ويا أهل مكة! أنتم أبناء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ويا أهل مكة! نزل جبريل في غاركم في حراء بالتوحيد ويا أهل مكة! من يعرف وينشر التوحيد إذا أصبحت هذه الخزعبلات والخرافات والمضحكات في مكة، وليتها في غير مكة! فالعودة العودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسأل الله لي ولكم الثبات والقبول.