للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تبشير الإنجيل ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم]

قال: المؤلف رحمه الله تعالى (بابٌ في تبشير الإنجيل بالرسول صلى الله عليه وسلم) أي: أن ذكره صلى الله عليه وسلم كان في الكتب السالفة، ومر معنا أنه وجد ذكره صلى الله عليه وسلم في التوراة، وقد بشر به موسى قومه بني إسرائيل.

نسمع الآن إلى عيسى عليه السلام يبشر كذلك بني إسرائيل بالرسول عليه الصلاة والسلام، قال: بشر عيسى عليه السلام قومه في الإنجيل بالفار قليط، ومعناه قريب من اسم محمد أو أحمد، وهذه في لغتهم في الإنجيل، ولا يوجد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين عيسى نبي، بل عيسى قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم خُتم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، قال: فكان يدعى في الإنجيل بالفار قليط، ومعناه قريب من محمد أو أحمد.

ويصدقه القرآن في قول الله تعالى في سورة الصف: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحمد} [الصف:٦] وهو رسولنا عليه الصلاة والسلام، واسمه: أحمد ومحمد والعاقب والماحي والحاشر، أما اسم طه فلم يثبت عند أهل السنة أن اسمه صلى الله عليه وسلم طه، إنما قاله بعض الناس.

وهنا وقفة لطيفة في الآية: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ} [الصف:٥] ولما أتى عند عيسى قال: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ} [الصف:٦] فلماذا قال موسى: يا قوم؟ ولماذا قال عيسى: يا بني إسرائيل؟

قال بعض أهل العلم: لأن موسى من بني إسرائيل، فأبوه من اليهود، أما عيسى فليس له أب، فما ينتسب إليهم، ما قال: يا قوم، إنما قال: يا بني إسرائيل، فناداهم كأنه بعيدٌ عنهم عليه السلام، قال الله: {إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [الصف:٦] التوراة التي أتى بها موسى عليه السلام، والتوراة كان فيها الأحكام والحدود، والإنجيل كان فيه الرقائق والمواعظ: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أحمد} [الصف:٦] قيل: بينه وبين عيسى عليه والسلام خمسمائة سنة، وقيل: أربعمائة سنة، وقيل: ما يقارب ذلك.

وقد وصف المسيح هذا بالفارقليط، بأوصاف لا تنطبق إلا على نبينا صلى الله عليه وسلم، فقال عيسى عليه السلام يصف الرسول صلى الله عليه وسلم لقومه: إنه يوبخ العالم على خطيئته، أي: الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي؛ فيوبخ الناس على خطاياهم، وعلى معاصيهم، وإعراضهم عن الله، وأنه يعلمهم جميع الحق؛ لأنه ليس ينطق من عنده، بل يتكلم بكل ما يسمع، ومصداق ذلك في القرآن: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:١ - ٤].

فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يأتِ بالشريعة من نفسه: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:٤٤ - ٤٦] إنما أتى بوحي ينشره في الناس صلى الله عليه وسلم، ويتكلم بوحي من الله، ولا يمكن أن يفرض للناس ما لم يتنزل عليه، ومن علامة ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده ثقافة، ولم يكن يقرأ ولا يكتب، إنما أنزل الله عليه هذا الوحي فبلغه للناس عليه الصلاة والسلام.

وقد ورد في إنجيل برنابا، الذي ظهر منذ زمن قريب وأخفته حجب الجهالة، ذكر اسم الرسول عليه الصلاة والسلام صراحة، فورد في إنجيل برنابا اسمه محمد، وورد أن اسمه أحمد وهو رسولنا عليه الصلاة والسلام، واليهود والنصارى يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، وأنه رسول من الله، وأنه نبي، لكن منعهم الحسد والبغي والغرور أن يؤمنوا به.

<<  <  ج:
ص:  >  >>