يأتي الله عز وجل برجال من أطراف الدنيا فيسلمون ويؤمنون، ويأبى الذين بين الركن والحطيم وعند زمزم أن يسلموا {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص:٥٦].
أتى بـ أبي هريرة من بلاد دوس من زهران ليكون أكبر راوية في الإسلام، وأتى بـ سلمان من أرض فارس ليكون حامل رسالة نداء الأرض إلى السماء، وأتى بـ بلال من أرض الحبشة لتستفيق على أذانه الدنيا، وأتى بـ صهيب الرومي ليكون سفير الإسلام إلى الروم، وأتى بـ خباب بن الأرت ليكون موجهاً من أكبر سادات الصحابة، وأتى بـ ابن مسعود راعياً من رعاة الغنم في هذيل ليكون من أكبر علماء الدنيا ومن أذكياء العالم الذين أنصتت لهم أذن الدهر.
ولكنْ أبو طالب الذي تبجح بكبريائه ما أسلم، وأبو لهب الذي التهب رأسه بالغباء ما آمن، والوليد بن المغيرة الذي كان يكسر الذهب بالفئوس ما انقاد للرسالة، سبحان الله! {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[الأنعام:١٢٢].
انتهينا من قصة سعد، وللصحابة قصص طويلة مع أمهاتهم، هؤلاء العجائز لهن نكبات ووقفات وعثرات هناك ربما ثلاثين عجوزاً وقفت في وجه الدعوة؛ لأن رأسها جف وخف ونشف لا يفهم لا إله إلا الله، دُمغ فلا تدخله لا إله إلا الله، ولا يفهم إلا بالفأس.