للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو ذر وبلال]

هناك قصة وقعت لـ أبي ذر مع بلال: جلس الصحابة يتشاورون، وقائدهم خالد بن الوليد في معركة، فتكلم بلال رضي الله عنه وتعرفون أنه أسود، لكنه منادي السماء، بلال حبيبنا، وكان عمر يقول: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] يعني بلالاً الذي رفع الصوت الخالد الله أكبر الله أكبر، والله جعله سيداً من السادات، وله قصر في الجنة، فتكلم أبو ذر فقاطعة بلال، فقال أبو ذر: تقاطعني يابن السوداء، سبحان الله! هل ضل فكره؟

هل ضاع عقله رضي الله عنه؟

لماذا هذا الكلام؟

وهل الله عز وجل يحاسب الناس على الألوان؟

وهل عندنا تمييز عنصري؟

وهل نحن نعود إلى الأنساب؟

وأقول عند هذه المسألة كلمة هي كلمة أهل العلم، وهي ما يوافق كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الطبقية حرام في المجتمع، وإنها تخالف الكتاب والسنة، قضية قبيلي وغير قبيلي، قضية الذين يقولون: هذا خط كذا، وهذا خط كذا، هؤلاء يتزوجون من هؤلاء، وهؤلاء لا يتزوجون من هؤلاء؛ هذا حرام ومنكر، وهذه الطبقية مما يخدش وجه ديننا، وهي تزري بنا أمام الأمم، وأمام الشعوب، وأمام الدول الأخرى، وأمام الديانات، وهذه موجودة في المناطق عندنا كأن الناس مجمعون عليها وراضون بها، وصنفوا الأسر، أسرة قبيلة، وأسرة غير قبيلة، موالي وأشراف، ويسمونها بالمفهوم الساذج الرخيص الحقير: هذا خط مائة وعشرة، وهذا خط مائتين وعشرين، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

بلال هذا تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف " هالة " رضي الله عنها، والشرف لـ عبد الرحمن بن عوف، ويقول عمر: وددت أني زوجت بلالاً إحدى بناتي -لله درك يا فاروق الدنيا، ويا فاروق التاريخ- يقول: ما زال في قلبي حسرة، وودت أني تشرفت وزوجت هذا الرجل العظيم، صاحب التاريخ الأجل.

يقول خالد محمد خالد: بلال يعرفه مسلمو الصين، ومسلمو اليابان , ومسلمو السودان، ومسلمو العراق والمغرب، وكل مسلم على وجه الأرض، الأطفال يعرفون بلالاً، فيقول: يا بن السوداء، قال بلال: والله لأرفعنك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لماذا؟

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠]

{المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره} لماذا انتهاك الأعراض؟

لماذا ذكر الألوان؟

أنحن في جنوب أفريقيا أو في إسرائيل؟

نحن في المدينة، فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبره، فامتقع وجهه عليه الصلاة والسلام، واحمر وتأثر كثيراً، ودخل أبو ذر وهو خائف، دخل يسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: فسلمت عليه، فوالله ما علمت هل رد علي السلام أم لا من الغضب، والتفت إليه صلى الله عليه وسلم مؤنباً ومؤدباً وغضوباً، قال: {أعيرته بأمه؟ إنك امروءٌ فيك جاهلية} أي: بقي فيك رواسب من الجاهلية، فهو صلى الله عليه وسلم يقول بلسان الحال: أنا أتيت لأطمس الجاهلية، أتيت أمحو هذه الوثنية وهذا التخلف، أتيت لأقصم رأس الرجعية، أتيت أنور العقول، وأحرر الأبدان والأفكار، أتيت أدعو إلى تحرير الإنسان، وإخاء الإنسان مع الإنسان، لا طبقية، ولا تمييز عنصري، ولا دم ولا لغة ولا لون، أتيت بلافتة لا إله إلا الله، فـ بلال يدخل الجنة، وأبو جهل سيد قريش يدخل النار، وصهيب الرومي المولى يدخل الجنة، وفرعون في النار، فلا فخر.

إذا افتخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا

فندم أبو ذر وبكى، وقال: يا رسول الله، أعلى كبر سني؟ أي أفي جاهلية على كبر سني؟ قال: نعم، ثم خرج أبو ذر، فمر بلال، فوضع أبو ذر رأسه على التراب، وقال: لا أرفع رأسي حتى تطأه بقدمك؛ أنت الكريم، فبكى بلال واحتضن أبا ذر من فوق التراب وعانقه وتباكيا، وقال: والله، لا أطؤك برجلي.

إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:١٠٠ - ١٠١]

اسمع لـ أبي تمام، شاعر الإبداع، يقول في الإخاء:

إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد

أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد

ما هناك سوداني ومصري وسعودي ويمني وكويتي ومغربي وباكستاني، لا، فما دمنا رفعنا لا إله إلا الله، ولافتة "إياك نعبد وإياك نستعين" فكلنا سواسية، وأعظمنا المتقي.

أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد

أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد

<<  <  ج:
ص:  >  >>