[كن في الدنيا كأنك غريب]
معنى الحياة: أن تصرفها في رضوان الله وطاعته.
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان
وعند البخاري أن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال لـ ابن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} وكان ابن عمر يقول: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك]].
وأراد عمر أن يولي والياً على حمص، فاختار سعيد بن عامر الجمحي من قريش، وكان عابداًَ زاهداً شاباً من شباب محمد عليه الصلاة والسلام، لا يملك إلا عصاه وثوبه، وصحفته وإبريقه، هذا الذي يملك من الدنيا.
يقول أحد العلماء: " لما ملكنا الدين سخر الله لنا الدنيا، فلما ملكنا الدنيا وتركنا الدين، أخذت الدنيا من بين أيدينا".
سُلِبت أراضينا، وأُخِذت مقدساتُنا، وكل يوم نُهْضَم في بلادنا، لأن الرايات التي قاتلت إسرائيل في فلسطين كان مكتوباً على بعضها.
آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني
هذه راية البعث، فكان جزاؤهم، أن سُحِقوا ومُحِقوا وعادوا على أدبارهم.
شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا
ولكن لما وقف الصحابة بلا إله إلا الله فتحوا الدنيا.
يقول الذهبي في ترجمة خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، أبو سليمان الذي كان يقرأ القرآن في الليل وفي النهار جهاد، يقول: لما حضر معركة اليرموك، خرج قائد الروم فقال لـ خالد: [[يا خالد! ماذا جاء بكم؟ قال: جئنا لنهديكم إلى سبيل الله، أو نفتح الدنيا بلا إله إلا الله - أو كلاماً يشبه هذا - قال: أنا لا أسمع هذا الكلام، قال خالد: جئنا لنشرب دماءكم.
-لما عرف خالد أن الأمر لا يصلح فيه المسالمة والمجاراة- قال: لنشرب دماءكم، قال قائد الروم: يا خالد! يزعم الناس أنكم تتوكلون على الله، لا يضركم شيئاً، فهذه قارورة مملوءة سماً، إن كنت صادقاً فاشربها - والعُهدة على الذهبي، ويقول: سند الرواية صحيح، وهذا لا بأس به عند أهل السنة إذا كان هناك مباراة مع أهل الباطل فأخذ خالد بن الوليد القارورة مملوءة بالسم، ثم قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، فلم يصبه شيء]] وخاض مائة معركة لم تهزم له راية.
تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
نُصِرَ بلا إله إلا الله، وبالإيمان، وبالصدق مع الله.
أتى عمر فقال لـ سعيد بن عامر، [[اذهب والياً على حمص، قال: لا.
لا أتولى الولاية، الإمارة صعبة، والمناصب مغارِم لا مغانِم، قال: والله لتتولين لي إمرة حمص، أتضعون الخلافة في عنقي وتتركونني؟! فذهب واستعان بالله، وكانت امرأته تاجرة، قالت: يا سعيد! عندي مال، أريد أن تبحث لنا من يتاجر لنا فيه، فأخذ مالها، فتصدق به في سبيل الله، قالت: أين المال؟ قال: أعطيته من يعطينا في الدرهم عشراً إلى سبعمائة درهم، إلى أضعاف كثيرة]] قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦١].
و [[خرج ووصل إلى حمص، والتقاه أهل حمص، وهو يأكل قطعة من اللحم وكان على حمار فقالوا: أرأيت في طريقك الأمير الذي أرسله عمر، قال: أنا الأمير، قالوا: الأمير على حمار؟! قال: بلى.
فنزل عندهم، وكان عمر يطوف على أمرائه وولاته، كل سنة يحاسبهم، فلما أتى إلى أهل حمص، جمعهم، وأجلس الأمير أمامهم، وقال: ماذا ترون في أميركم وواليكم؟
قالوا: ما ننقم عليه إلا أربع مسائل.
قال عمر: ما هي؟ ثم قال: اللهم لا تخيب ظني فيه!
قالوا الأولى: لا يخرج علينا حتى يرتفع النهار، يعني: يتأخر على الدوام، يأتي حدود العاشرة.
قال: هذه واحدة، وعمر عنده الدرة جاهزة، يخرج بها شياطين الإنس والجن من الرءوس.
قال: والثانية.
قالوا: وله يوم في الأسبوع لا نراه ولا يرانا.
قال: والثالثة.
قالوا: ولا يخرج لنا في الليل مهما طرقنا عليه بعد العشاء.
قال: والرابعة.
قالوا: يغمى عليه أحياناً إذا جلس في مجلس القضاء، لفصل الخصومات.
قال: أجب يا سعيد بن عامر، اللهم لا تخيب ظني فيه.
قال: يا أمير المؤمنين! اعفني.
قال: والله لتجيبن.
قال: أما قولهم: إني لا أخرج حتى يرتفع النهار، فأنا ليس لي خادم وامرأتي مريضة، فأصلح إفطاري وإفطار أهلي، ثم أفطر، ثم أتوضأ وأصلي ركعتين ثم أخرج.
قال: هذه واحدة، وانسكبت دموع عمر.
قال: والثانية.
قال: أما قولهم: إني لا أخرج يوماً في الأسبوع، فليس لنا خادم، وامرأتي مريضة، فأغسل ثوبي وثوبها، في يوم من الأسبوع، فزاد بكاء عمر
قال: والثالثة.
قال: وأما قولهم: أني لا أخرج في الليل، فقد جعلت النهار لهم، والليل لربي أصلي وأقرأ القرآن.
قال: ولماذا يُغْمَى عليك في مجلس القضاء؟
قال: لأني حضرت مقتل أحد المسلمين وأنا مشرك مع كفار مكة في مكة، وهو خبيب بن عدي، فسمعته يقول: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، فكلما تذكرت ذلك الموقف وأني لم أنصره، أُغْمِي عليَّ.
فارتفع صوت عمر بالبكاء]].
هذا مفهوم الحياة عند السلف، ولذلك ذكرهم الله، وأحسن ذكرهم، وأعلى شأنهم، فهم أخلص الأمة قلوباً، وأعمقها علماً وعملاً، وأقلها تكلفاًَ، يقول سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦] هذه نزلت في المترَفين.