ويستفاد من هذا الحديث: اجتهاد الصحابة رضوان الله عليهم، وعدم تثريب بعضهم على بعض، والخلاف وارد، ولذلك يقول سفيان الثوري رحمه الله:"من قلة علم الرجل أن يعنف على المخالف" إذا رأيت الإنسان يعنف على المخالف، فاعرف أنه لا أدب عنده ولا علم، ولذلك اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في الفروع، يقول ابن القيم في أعلام الموقعين: لكنهم بحمد الله وبفضله وبعونه لم يختلفوا في الأصول أبداً، وما تكلموا في الأسماء والصفات، ولا اختلفوا فيها، بل أجروها على الظاهر وسكتوا، ولذلك ما سمعنا من اختلف في الأصول، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلقي عليهم الأسماء والصفات، فما كانوا يناقشونه، كان يقول صلى الله عليه وسلم:{يضحك ربك} وهم فيهم العلماء والعباد والأعراب، فما كانوا يقولون: هل ضحك يليق بجلاله يا رسول الله أم لا؟ سكتوا؛ لأنه يعرف على الظاهر، أما في مسائل الفروع فاختلفوا، ولذلك يؤخذ من هذا عدم التثريب والتعنيف من بعض المخالفين على بعض، ومسائل الاجتهاد واردة.
وابن تيمية له كتاب" رفع الملام عن الأئمة الأعلام " يبين أن الخلاف أنه قد يكون وارداً من عهد الصحابة، وقد ورد، ثم يعلل ويعتذر للأئمة بستة أعذار، قد سبق أن أوردنا بعضها، وبعض الناس يعنف على بعض المسلمين في سنن صغيرة لا تحتاج إلى هذا التشدد والتنطع والتعمق الذي لامه صلى الله عليه وسلم.
فأحدهم إن رأى بعض المسلمين يضم يديه على صدره قال: أين أنت من حديث علي: أنه تحت السرة.
ثم يغضب عليه ويهجره، وهذا ما عنده من العلم إلا الجهل، والآخر يقول كذلك في دعاء الاستفتاح: لا تستفتح بذاك الدعاء؛ لأنه في أبي داود، وذاك في الصحيحين ثبت من طرق.
فلسنا مأمورين بهذا، بل المنازع لا يثرب عليه، ولا يعنف، فما دام أن في المسألة خلافاً، فالأمر فيه سعة.
هناك مسائل خلافية، فمن فعل هذا فقد أصاب، ومن فعل هذا فقد أصاب، لكن الإنسان يتحرى لنفسه الحديث الصحيح دون ما يعرضه على الناس، لك أن تعرف أن الحديث الصحيح الذي في البخاري يقدم على الحديث الضعيف في أبي داود، فتعمل به، لكن ترى بعض الناس يفعل هذا فلا تثرب عليه، وهذا من الاشتغال بالخلافيات، ومن التشديد على المسلمين، والتجهيل بسبب هذه المخالفات البسيطة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ومن فعلها فهو آثم.
حتى أن ابن تيمية رحمه الله في كتاب أصول الفقه يرى أن المسائل المتنازع فيها يكون فيها سعة، وأنه لا يحرج على من فعلها، ولا يعنف عليه بل حتى ولا يرد عليه.
مثلاً: الصلاة لمن دخل المسجد بعد صلاة العصر, فإن هذا وقت نهي عند بعض أهل العلم, لقوله صلى الله عليه وسلم:{لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس} وبعض أهل العلم يرجح أنه يصلي ركعتين لقوله صلى الله عليه وسلم: {من دخل المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين} فإن رأيت أحداً من الناس يصلي ركعتين، وأنت ترى عدم الصلاة؛ فلا تثرب عليه، ولا تعنف، لأن هذا الأمر فيه سعة، نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والهداية.