للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المحلِّق وقصته مع الأعشى

المُحَلِّق: رجل من أبخل العرب، وكان ساكناً في قرية مغموصة ما يمر عليه أحد، وكان له سبع من البنات، فما تقدم لهن أحد من الناس، فذهب واستشار الناس، فقالوا: نرى أن تنقل بخيمتك وسط الصحراء حتى يراك الناس، وأن تدعو لك شاعراً من الشعراء، وتذبح له ناقة وتكرمه وتكسوه، فسوف يمدحك بالكرم، وإذا سمع العرب بالكرم، فلا تمسي بناتك عندك أبداً، فأتى هذا المحلِّق البخيل، فنقل خيمته وبناته وزوجته وسكن في الصحراء ورفع خيمته، ودعا الأعشى شاعر نجد p=١٠٠٠٠٠٨> الأعشى الذي مات قرب منفوحة، وقد أراد أن يسلم لكن طبع الله على قلبه فكفر، وقد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقيه أبو سفيان فقال: إلى أين تذهب؟ قال: أذهب إلى محمد عليه الصلاة والسلام.

قال: ماذا فعلت؟ قال: أعددت قصيدة.

قال: أسمعني.

فقال:

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا

وما ذاك من عشق النساء وإنما تناسيت قبل اليوم خلة مهددا

شباب وشيب وافتقار وثروة فلله هذا الدهر كيف ترددا

وقد كان من أفحل وأكبر الشعراء على الإطلاق، وهو من أصحاب المعلقات يقول:

فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تزور محمدا

يخاطب الناقة ويقول: حلفت أن أجعل الناقة تكل وتدأب في الأرض حتى تزور محمداً صلى الله عليه وسلم.

متى ما تناخي عند باب ابن هاشم تراحي وتلقي من فواضله يدا

نبي يرى مالا يرون وذكره أغار لعمري في البلاد وأنجدا

إلى أن يقول: -وهما من أعظم الأبيات في الإسلام-:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا

قال أبو سفيان: فما تطمع أن يعطيك؟ قال: مائة ناقة لا أنقص عنها ناقة واحدة، قال: خذ مائة ناقة وعد فأخذ مائة ناقة وعاد، وركب واحدة منها فسقط عنها فلوت عنقه وكسرته ودقته فمات كافراً.

فهذا المحلِّق دعا الأعشى وعزمه وضيفه، فلما عشاه وكساه وأعطاه شيئاً من المال، قام الأعشى، وعرف المحلق أنه سوف يمدحه، فقال: في قصيدة له يمدح هذا المحلق أبخل العرب:

لعمري لقد لاحت عيون كثيرة إلى ضوء نار باليفاع تحرق

تبيت لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى والمحلق

فيقولون ما مرت سبعة أيام إلا وتزوجت بناته من أشراف العرب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>