[نداء للشباب اللاهي]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
عنوان هذا الدرس: أين أنتم يا شباب؟
أيها الإخوة الكرام البررة! كانت المحاضرة السابقة بعنوان (لقاء مع الشباب) وكانت لصنف من الشباب الذين يحضرون الدروس، والذين يواظبون على الصلوات الخمس، والذين يحبون الله ورسوله، والذين يتولون الله ورسوله ولاية خاصة، وهذه الليلة حديث مع صنف من شباب آخر، ليسوا هنا، لكني أبلغهم سلامي وسلامكم من هنا، فسلام الله عليهم ورحمة الله وبركاته.
إن قلبي يحن إليهم وأنا أريد أن يحضروا، وعسى أن نراهم في القريب العاجل، ربما حضر بعضهم، ولكن الكثير لم يحضروا، إنهم هناك على الأرصفة، وفي المقاهي، وفي المنتزهات، وفي أماكن اللهو، يا ليتهم يحضرون ليروا إخوانهم من المؤمنين الصادقين المصلين، أهل الصلوات الخمس، أهل الولاية العامة والخاصة، الذين يحبون الله ورسوله إنني أبلغهم قول القائل:
أهلاً وسهلاً والسلام عليكم وتحية منا تزف إليكمُ
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتم
أهتف من كل قلبي إليهم أن يشاركوا شباب الصحوة في مسيرتهم الخالدة، وفي صلاحهم واستقامتهم.
أيها الشباب الذين لم يحضروا وألهاهم المباح، أو الذي يؤدي إلى المكروه، أو الأمر المحرم عن الحضور، نناديكم لأن بيننا وبينكم عهداً وميثاقاً هو ميثاق: إياك نعبد وإياك نستعين، وعهد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فحقٌ علينا أن نناديكم، وأن نهتف بكم، وأن نزوركم، وأن ندعوكم إلى رحاب محمد عليه الصلاة والسلام.
إلى هنا؛ حيث البر والعفاف والاستقامة والذكر.
إلى هنا حيث الأمجاد والتاريخ وحيث الحنيفية السمحة والشريعة.
إلى هنا حيث القبسات الإيمانية وإشعاع النور، والانطلاقة التي بثها في الكون محمد عليه الصلاة والسلام، أنادي في قلوب هؤلاء الشباب بقية الإيمان، وفي قلوبهم بقية من إيمان، فلم ينتزع الإسلام أصلاً من قلوبهم؛ بل مازالت بذرة الإيمان في قلوبهم، وأنادي بقية النور نور الهداية في قلوبهم، وأنادي الحب لله ورسوله عليه الصلاة والسلام، الذي في قلوب أولئك الذين يحملونه، ولو كانوا يتأخرون عن الصلاة، ولو كانوا يسمعون الغناء، ولو كانوا يصاحبون المجلة الخليعة، فما زال أصل الإيمان يشع يشع ويذوي يذوي في قلوبهم:
تعالوا تعالوا نكتب الحب موثقاً بدمعٍ غزيرٍ يغسل الحوب والذنبا
تعالوا نعيد العهد بين قلوبنا أتيناكم طوعاً نبادلكم حبا
إنهم أحفاد مصعب، ولكن مصعباً لم يكن لاغياً لا هياً في الحياة.
كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، قطع جسمه في سبيل الله ليظهر أنه يحب الله ورسوله، أليس هذا دليلاً على الحب؟! أليس هذا برهاناً على ولاية الله؟! أليس هذا شاهداً على حبه لله؟ إي والله لقد قطع في أحد.
فيا أيها الشباب الذين لم يحضروا: شلل، وعصابات، وجماعات، همهم السيجارة والكيرم والسهرة، والضحك الذي لا ينتهي، واللهو، والعبث، إن مصعباً يعتب عليكم أنكم ادعيتم أنكم أحفاده، ولكنكم لستم بأحفاده إلى الآن، نعم بينكم وبين مصعب نسب لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ويا أحفاد معاذ بن جبل لم يكن معاذٌ مضيعاً لأوقاته، كان معاذ يحملُ الكتابَ والسنةَ ويعلم العالمين:
عُبَّاد ليل إذا جن الظلامُ بهم كم عابد دمعه في الخد أجراهُ
وأسد غاب إذا نادى الجهاد بهم هبوا إلى الموت يستجدون رؤياه
يا أحفاد أُبي! لم يكن أبي هاجراً للكتاب، بل كان سيد القراء، يصحب الكتاب كتاب القرآن ربيع قلبه، ونور بصره، وأنيس روحه، كان يحب القرآن، ويعمل بالقرآن، فأين أنتم يا شباب الإسلام من كتاب الله عز وجل ومن قراءته وتدبره؟!
وقِّفَا بي على النقى وقفا بي واتركاني هنيهة وارفقا بي
واعذراني من الدموع فهذي قصةُ الحب صاغها أحبابي
هذه مقدمة، وأنا أعلن أني أحب أولئك كما أحبكم في الله؛ لأن الحب يتجزأ والولاية مع هؤلاء في الله عز وجل وفي رسوله عليه الصلاة والسلام تتبعض، فهو حب نسبي وولاء نسبي، نحبهم لأصل الإيمان الذي عندهم، فعندهم خير كثير.