فتشاور الثلاثة ماذا يفعلون، فقال أحدهم:{والله لا ينجيكم من مكانكم هذا إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم}:
إن كنتم أحسنتم في الرخاء فالله يجيبكم في الشدة؛ لأن الله يجيب من يطيعه في الرخاء وقت الشدة.
أما رأيتم يونس بن متى عليه السلام يوم ضاقت به الحِيَل، وأُلْقِي في اليم، يوم أصبح في ظلمة الليل فرد إلهامه ورشده إلى الله فقال:{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] فقال الله عنه: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الصافات:١٤٣ - ١٤٤].
{إنه لن ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم}:
ومعنى ذلك: أن لهم رصيداً من الأعمال الصالحة وقت الرخاء، أما الذي ليس له رصيد من العمل الصالح فبماذا يدعو ويتوسل؟ أيقول لله: أنا فلان بن فلان من آل فلان؛ الأسرة العريقة على مر التاريخ؟ أو أبي كان أميراً أو وزيراً أو تاجراً؟ ليس بين الله وبين خلقه نسب، بل النسب التقوى، ولذلك لما أدرك الموت شيخ الطغاة فرعون قال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:٩٠] ففعل في الدعاء كما فعل يونس؛ لكن شتان ما بين الرجلين، ذاك عبد صالح وهذا عبد فاجر، فقال الله لفرعون:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس:٩١] أنسيت جرائمك يا لعين؟! أنسيت خبائثك على مر التاريخ يا خبيث؟! لا تنفعك الشهادة في هذا الموضع، فأهلكه الله ومزقه وأرداه.