للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من صفات شيخ الإسلام ابن تيمية]

أخذ السيف يوم وقعة شقحب، وهكذا هم علماء أهل السنة أتى التتار يزحفون كالجبال على العالم الإسلامي، فلما وصلوا إلى مشارف دمشق، خرج ابن تيمية خطيباً في الناس فجمعهم في دمشق في رمضان، وأخذ كوباً من الماء أمام الناس، وقال: يا أيها الناس! أنا مفطرٌ فأفطروا، فأفطر الناس، وقال: خذوا السلاح، فأخذوا السلاح، ودخل على السلطان، وقال: انزل قاتل: قال: السلطان أخاف أن يغلبني التتار -والتتار قد اجتاح العالم الإسلامي، وجاءوا من الصين مثل الجراد، ومن سيبريا لا يمرون بشيء إلا اقتلعوه وأزالوه، أخذوا مكتبة دار الحكمة ودمروها في النهر ومشوا بالفرسان والخيول على الكتب داخل النهر، دخلوا البيوت فجعلوها قاعاً صفصفاً- قال السلطان: لا أستطيع، قال: والله لتنصرن، قال: قل إن شاء الله، قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، قال: واستل سيف السلطان من يده وقال: أنت حامي شريعة محمد عليه الصلاة والسلام انزل وقُد الناس، فأنزله، وأخذ ابن تيمية يقرأ سورة الأنفال والناس يبكون من قراءته، ووقف في المعركة عليه الثياب البيض، وهو آخذ بسيفه، فكان يضرب به فتتطاير شظايا السيف وتتكسر على رءوس التتار.

وكان من أقوى الناس جسماً، السبب: كثرة الذكر وكثرة الاتصال بالله عز وجل، معه وجبة في اليوم هذا إن لم يكن صائماً.

يقولون: إنه كان يأكل رغيفاً من الخبز وخيارة، وربما أكل اللحم في الأسبوع مرة، لكن ذكره هو الذي قوّاه بإذن الله، ولكن نحن ما فعلت لنا الكبسات؟! لا شيء.

عددنا اليوم مليار والحمد لله، وإسرائيل ثلاثة ملايين وقد لعبت بنا شرقاً وغرباً حتى إننا نراها في المنام.

خرج ابن تيمية وقال: لننتصرن وحضر معركة شقحب وانتصر المسلمون بإذن الله.

وكان ابن تيمية عابداً في الليل، يقول: أما الليل فقد جعلته لربي، ينام بعد العشاء قليلاً ثم يقوم يصلي إلى الفجر.

وكان وجهه عليه نور.

ولم يتزوج ابن تيمية لكن الله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨].

حتى لا يأتينا شاب اليوم ويقول: أنا لا أتزوج لأن ابن تيمية لم يتزوج، نقول له: إن الله أرسل محمداً عليه الصلاة والسلام ولم يرسل ابن تيمية، وابن تيمية من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، ولابد أن ننظر في ذاك.

وقد ورد أن الإمام أحمد قال لأحد الشباب: لماذا لا تتزوج؟ قال: ما تزوج إبراهيم بن أدهم، قال: أوه!! وقعنا في بنيات الطريق!! الله يقول: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨] وعلى كل حال، الله أعلم بالسبب.

وميراث ابن تيمية هي كتبه، وقد ألف أكثر من ثلاثمائة مصنف، كل مصنف يشترى بالدماء، ولو كتب بالدم أو بماء الذهب ما أنصفه لأن كتبه مثل الذهب الإبريز، ولذلك يهاجمه النبهاني والنبهاني هذا أعمى القلب والبصر، صوفي ضال، يقول: أما كتب ابن القيم وابن تيمية فلم يرزقها الله القبول، ولا انتشرت في الأرض.

فتصدى له محمود الألوسي، وقال: أفكتبك وكتب أشياخك هي التي رزقت القبول، لا والله، لقد رزقت كتب ابن تيمية وابن القيم القبول في الدنيا، وإنها كالعسل المصفى، والذهب الإبريز، أما كتبك وكتب أشياخك فتصلح أحذية للناس.

ومخالٍ يوضع فيها الشعير للحمير.

أما هذه الكتب فنورٌ على نور، وقد جابت العالم، والآن في أمريكا تترجم فتاوى ابن تيمية، ووالله كما أخبرنا علماؤهم أنهم ذهلوا منها في الاجتماع والتربية، كيف يتكلم هذا في الاجتماع؟ من الذي فتح عليه إلا الله الواحد الأحد.

هو الفتاح.

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:٢١] كانت يديه دائماً مرفوعة إلى السماء يسأل الواحد الأحد.

دخل على ابن قطلوبك فقال ابن قطلوبك: يا ابن تيمية! يقول الناس: إنك تريد ملكنا، قال: هيه ملكك!!، والله ما ملكك وملك آبائك يساوي عندي فلساً واحداً، إني أريد جنةً عرضها السماوات والأرض.

وترجمة ابن تيمية طويلة جداً وهو عظيمٌ عظيم يقول المزي -من زملائه وتتلمذ عليه-: ما أعرف قبله بأربعمائة سنة مثله، ونحن نقول ما جاء من عهد ابن تيمية وقد توفي عام (٧٢٨) إلى الآن مثله، واقرءوا التاريخ إن شئتم، ولا نغالي في الرجال، لكن نحب هذا الرجل حباً عجيباً.

ونسأل الله أن يرينا وجهه في الجنة، وأن يجمعنا به في دار كرامته، إنه على كل شيءٍ قدير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>