كان الصحابة يعملون بالتخصصات فكان حذيفة تخصصه السؤال في الفتن، وأبو ذر دائماً يسأل عن أحاديث الزهد والعبادة في الغالب، وجابر أحاديث الحج، وأحاديث الفرائض عند زيد بن ثابت.
يقول حذيفة:{كان الناس يسألون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني} وهذا مبدأ جميل أن تعرف الشر وتعرف الباطل.
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشر جدير أن يقع فيه
ومن ميزة رسالة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه عرف الشر، يقول العلماء: إن السر الذي جعل الله عَزَّ وَجَلَّ يكتب لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيش أربعين سنة بين الجاهليين ليعرف الجاهلية، لم يكن ملكاً حتى يعترضون عليه، فالله عَزَّ وَجَلَّ أخبرهم أنه بشر يعيش آلامهم وآمالهم وطموحاتهم، ويأكل مما يأكلون، ويشرب مما يشربون، ويمشي في الأسواق، ويبيع ويشتري، ويتزوج النساء قال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً}[الرعد:٣٨] ليعرف واقعهم، أما إن كان ملكاً فسيقولون: لا نستطيع أن نفعل كفعلك لأنك ملك ونحن بشر، إذا صلى قالوا: لا نستطيع، فجعله الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بشراً.
الشاهد في ذلك: قال الله عَزَّ وَجَلَ: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام:٥٥] ومعرفة الشر قضية مهمة، وهي من معرفة الواقع، ولذلك يقول أحد المستشرقين: في كتاب" ماذا قالوا عن الرسول محمد؟ " صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أنا لا أعجب من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون نبياً فقبله أنبياء، ولا رسولاً فقبله رسل، لكن أعجب من هذا الرجل يعيش أربعين سنة بين البدو- يقصد أهل مكة - ثم ينبري بعد الأربعين، فإذا هو أخطب خطيب، وأفصح فصيح، وأقوى قائد، وأحنك سياسي وأفتى مفتٍ، هذا هو العجب، لكن نقول:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:١ - ٤].
وإن تفق الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
قال حذيفة: ذُكر الدجال عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال، ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال} أي: أن الفتن تهون إلا فتنة هذا الدجال -عياذاً بالله- هذا الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح، والمقصد أنه أكبر فتنة، وأن من نجا من الفتن قبله ينجو من فتنته بإذن الله.
ومن الفتن: اختلاط الحق بالباطل حتى لا يدري الإنسان أي شيء يتبع، فتجده مرة في طائفة، ومرة في طائفة، ومرة في مبدأ، ومرة في قضية، هذا من الفتن العظيمة {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً}[المائدة:٤١] وهو الرجل المفتون في دينه الذي يبيع دينه كل يوم وأخبر عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {أنه تأتي فتن يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا} وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام: {أنه سوف تأتي فتن يمر الرجل فيها بصاحب القبر فيقول: يا ليتني كنت مكانك!} من كثرة الفتن التي تعم، حتى لا يعرف الإنسان كيف يتصرف، وماذا يقول، ومن يتبع؛ من كثرة من يدعو إلى الحق وهو ليس بمحق، ومن كثرة من ينادي بأن منهجه هو الصواب ومنهج غيره الخطأ، وعلى المسلم في ذلك أن يلتزم بالكتاب والسنة , وأن يتبع الرسول عليه الصلاة والسلام، وسوف يأتي كلام في هذا في كتاب الفتن إن شاء الله.