وبالصبر يدرك الإنسان كل خير، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:{واعلم أن النصر مع الصبر} ولا ينتصر الإنسان على نفسه وعدوه إلا بالصبر.
لم يكن عنترة بن شداد الجاهلي الشجاع مسلماً، لكن كان يحطم الرءوس بسيفه، وكان من أشجع العرب، قال له أحد الناس: يا عنترة! جسمي أكبر من جسمك، فكيف تغلب الرجال ولا نغلبهم نحن، قال عنترة: أعطني إصبعك وأعطيك إصبعي، فأعطاه إصبعه وأخذ هو إصبع ذاك، فقال: عض إصبعي وأعض إصبعك، ليدلل له أن المسألة مسألة هل يصبر أم لا، فعض عنترة وعض ذلك، فما لبث ذاك أن قال: آه فانطلقت إصبع عنترة فقال: بهذا غلبت الرجال.
أقسمت أن أوردها حرة وقاحة تحت غلام وقاح
إما فتى نال المنى فاشتفى أو فارس زار الردى فاستراح
إذا سألت الله في كل ما أملته نلت المنى والفلاح
بهمةٍ تخرج ماء الصفا وعزمة ما شابها قول آح
فإذا قال الإنسان: آح، فهذا يعني أنه ما صبر، وكانت العرب تكره للإنسان إذا ضرب بالسيف أن يقول: حس؛ لأن هذا من أصوات ضرب السيف يقال للفرس: صه، يعني: انهض، والعربي الشجاع إذا ضرب بالسيف يكظم أنفاسه، ولا يقول شيئاً.
وهذا خبيب بن عدي لما صلب في مكة، ما قال حرفاً، وإنما أنشد قبل أن يتوفى بدقائق فقال:
فلست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلوٍ ممزع
وحبيب بن زيد أحد الصحابة مزق جسمه مسيلمة الكذاب، فأخذ يقطع منه قطعة وقطعة وقطعة قالوا: فضم أسنانه بعضها على بعض، وما تلفظ بحرف، فهذا من أعظم الناس.