للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوقوف مع الفقراء والمساكين]

فلا بد من نفع الناس والوقوف معهم, والخوف من الله والقدوم عليه, وملاحظة مسار الإسلام الخالد العظيم، الذي نريد أن نقدمه للناس، دين إذا قدمناه للناس تكون رءوسنا مرفوعة, ونتكلم ونحن واثقون من أنفسنا صادقون مع الله مخلصون لمبادئه، ولذلك كان ابن تيمية يعلن هذا كثيراً ويكتبه في رسائله, وقد دخل على الناصر قلاوون وتحدث له في هذا, وطلب منه أن يضع المكوس ويتركها عن الناس, والشوكاني دخل على المتوكل وأخبره بهذا وكتب له رسالة, وجمع القضاة وحدثهم وخطب بهم الجمعة, وكتب ابن القيم في ذلك رسالة ودخل إلى دمشق وخطب فيها الجمعة ونادى الناس بذلك؛ لأن هذا أنفع ما يكون.

أما أن نبقى نحدث الناس عن الخارج من السبيلين وعن عدة الحائض والمستحاضة ويبقى الناس تالفون في فقر ومشقة ويتم وعوز فهذا لا يصلح، فلابد أن نقف معهم وأن نرحمهم علَّ الله أن ينصرنا، ووالله إن دعوة من فقير خير من الدنيا وما فيها، وفضل عظيم إذا دفعت مالاً لمسكين ثم قال لك: رحمك الله أعتقك الله من النار، بيض الله وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

ومن صور الوقوف مع الفقراء تخصيص صندوق في البيت لجمع الصدقات, فنحن والله أسرفنا في مصروفاتنا, في أكلنا وشربنا ولباسنا, فالواجب أن نخصص من دخلنا الشهري لفعل الخير، وهذا يسمى صندوق الجنة الذي يدخلك الجنة، فـ عثمان بن عفان ما دخل الجنة لأن اسمه عثمان، إنما دخل الجنة بماله فقد كان تاجراً, وأنا أعرف من الأغنياء حتى ممن يحضر هنا ممن أسعدهم الله بالمال، ونعم المال الصالح في يد الرجل الصالح, نجاهم الله من كربات يوم القيامة من كثرة فعلهم للخير، ووالله إنا نتمنى أن يكون المال في يد مثلهم وأمثالهم, وليتهم يملكون مليارات, ونتمنى أن تكون جبال الدنيا ذهباً وفضة فإنهم يعرفون كيف يدفعونها، فهم ينفقونها في المساجد وفي تحفيظ القرآن وفي مساعدة المحتاجين وفي دعم المتزوجين وفي إعطاء الفقراء والمساكين, وهؤلاء هم من جنس أبي بكر وعثمان وابن عوف , حتى يقول المسلمون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، فقراء المدينة اجتمعوا فأتت قافلة قدرها سبعمائة جمل من الشام , محملة زبيباً وبراً وألبسة وأعطيات فدخلت المدينة , فخرج الفقراء وخرج التجار, التجار يريدون شراءها والفقراء ليس لهم إلا أن يتفرجوا، الفقراء دائماً يتفرجون في القصور والمشاريع ويقولون: ما شاء الله, ويفركون أصابعهم ثم يعودون بيوتهم.

فقال ابن عوف للتجار: بكم تشترون مني هذه القافلة؟ قالوا: نعطيك في كل درهم درهمين, أي: قيمة التجارة مرتين، قال: وجدت من أعطاني أكثر.

قالوا: نعطيك في الدرهم ثلاثة.

قال: وجدت من زادني.

قالوا: نحن تجار المدينة حاضرون, وما زادك أحد.

قال: لا والله لقد وجدت الله زادني وأعطاني في الدرهم سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، أشهدكم أنها بجمالها وأحلاسها وزبيبها وقمحها وثيابها لفقراء المدينة.

فولى الناس يبكون ويقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.

وذهب ابن عوف وذهب الفقراء, وذهبت الجمال وذهب القمح والزبيب والثياب وهم عند الله غداً واقفون، قل لي بربك: الذي جمع هذه الأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والقصور ماذا تنفعه إذا مات؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>