[الصبر في الطلب]
لا تقل: قد ذهبت أربابه يا ذكياً والذكاء جلبابه
وأديباً حسنت آدابه لا تقل: قد ذهبت أربابه
كل من سار على الدرب وصل
طلب العلم ليس بالسهل، والذي يأخذ من رءوس الشجر مثل: الجمل الشارد، لا يخرج إلا بمعلومات مزيفة وثقافة عامة، لكن الذي يريد أن يتخصص في علم، لا بد أن يكون بإذن الله صابراً محتسباً.
وهؤلاء علماء الغرب ثقافتهم وحضارتهم في الجزئيات، تجد أحدهم يقضي حياته منذ ولدته أمه إلى أن يصبح في الثمانين من عمره وهو في هندسة التربة -مثلاً- لا يتجاوزها، ولا يأخذ فناً آخر.
وبعضهم في بعض الولايات يقولون: لا يعرف الولايات الأخرى، ولا يقرأ الصحف اليومية، لأنه مشغول بمادته حتى ينتج هذه الجزئية، ويقدمها للناس.
وقد جاءنا أحد الإخوة من طلبة العلم من مصر وهو في نيويورك، وهو من الأذكياء النابهين، أتى بعلاج معه، من سبعة نباتات، اكتشفه رجل من النمسا يسكن في أمريكا وعنده جنسية أمريكية، وكان قد جلس فيها سبعين سنة، وعمره الآن اثنان وتسعون عاماً، ونال جائزة أمريكا على مستوى العالم في الطب، وجلس سبعين سنة يسافر إلى الأرجنتين وبلاد العرب وفنزويلا والصين واليابان، ويجمع النباتات ويحلِّلها، ويختبرها، وبعد سبعين سنة اكتشف هذا العلاج وحده؛ وهذا العلاج عجيب من العجائب.
وأنا لا أكتب له دعاية لأني لا أبيع فيه ولا أشتريه، لكن مقصودي كيف ظل هذا الرجل سبعين سنة حتى أنتج هذا العلاج؟ لكن بالمقابل تجد الإنسان عندنا يريد أن يكون مهندساً، وخطيباً من أجل الراتب، وبعض الناس تجده طبيباً آخر النهار، وعنده معمل، ويستطيع أن يفتي الناس، ويؤلف الكتب، يعني: حيص بيص، لا يدري ماذا يأخذ، فقضية التخصص لا بد منها، ولا بد من، الصبر في طلب العلم، ولهذا قيل: إن القفّال؛ وهو أحد علماء الشافعية: كان عمره أربعين سنة، ففكر في الليل هل يطلب العلم؟ فذهب في الصباح، فلما مر في الطريق جاءه الشيطان وقال: تطلب العلم وأنت في الأربعين؟! فرجع ثم مرَّ برجل يعمل في بستان، أو يسقي الزرع، والغرب يخرج من البئر، وقد أثرت الريشة في الصخر، قال:
اطلب ولا تضجر من مطلبٍ فآفة الطالب أن يضجرا
أما ترى الحبل بطول المدى على صليب الصخر قد أثرا
فلا بد من الطلب والصبر والمحاولة بعد المحاولة.
ومما يُروى أن أحد الحكماء جلس بجناب شجرة، فرأى نملة تريد أن تصعد الشجرة، فسقطت فسقطت، فحاولت فسقطت، وبعد كثيرٍ من المحاولات صعدت، وهذه هي فائدة المحاولة والصبر والمثابرة.
ثم إني أقول لكم -أيها الإخوة- من لم يستطع في مجال فليذهب إلى مجال آخر كوظيفة، أو عمل، أو طلب علم، أو دعوة، أو خطابة، إنما المهم أن يكون مستقيماً ملتزماً، ثم لا يهم بعد ذلك ما يسلك من مجال، فلك أن تدخل الجنة من أي باب، وليس من باب العلم والتحصيل فقط، لا.
في أي وظيفة شئت، لكن كُن ملتزماً بأمر الله.