[استشارة النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في موقع المعركة]
وقف عليه الصلاة والسلام على منبره قبل أن تبدأ معركة أحد بيوم، فاستثار الناس، وأعلن القتال على أبي سفيان وعلى المشركين، وأخبر بما فعل المشركون من اعتداءاتهم المتكررة على المدينة، ثم استشار أصحابه فقال:{ما ترون أيها الناس؟ أنقاتلهم في الطرقات، أم نخرج إليهم إلى جبل أحد؟ فأما كبار الناس فقالوا: يا رسول الله! بل نبقى مكاننا في طرقاتنا، وفي بيوتنا، وفي منازلنا، فإذا دخلوا علينا قاتلناهم، فوافقهم}.
ولما انتهى الكلام خرج مجموعة من أصحابه وشبابه، ثمانون شاباً، فلبسوا السيوف وأخذوا الخوذ على الرءوس، وأتوا يرتجزون خارج المسجد بصوت مرتفع:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
ثم هتف شاب منهم في العشرين من عمره، فقال:{يا رسول الله! اخرج بنا إلى أحد، لا تحرمنا دخول الجنة، والله إني أريد أن أدخل الجنة} ووقف عليه الصلاة والسلام على المنبر يسمع القول الحار، ويسمع النشيد الخالص، فتهتز كل شعرة من جسمه، وتثور كل قطرة من دمائه، ويعلم أن الجنة قد فتحت أبوابها، وأن الله قد تجلى لعباده، فيقول لهذا البطل الشاب:{وبم تدخل الجنة؟} أين شبابنا في العشرين؟ وما دورهم وهمهم؟
جمع الطوابع، واستماع الأغنيات، وهوايات المراسلة، وتشجيع النوادي، والسهرات في المقاهي، والسفر إلى الخارج، والتزلج على الثلج، وتربية الحمام، وصيد الصقور في الصحراء وفي الفصول الربيعية، هؤلاء شبابنا!!
قال:{وبم تدخل الجنة؟} قال: {باثنتين؟ بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف، فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام دمعاً سخياً ساخناً، ورفع يديه وقال: إن تصدق الله يصدقك}{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:٦٩].