[تضييع الأوقات]
من الأزمات التي أشير إليها باختصار: تضييع الوقت.
الوقت غالٍ لكن عند غير المسلمين في الجملة, يقول صاحب كتاب دع القلق وابدأ الحياة: الأمريكان يقرءون أكثر من اثنتي عشرة ساعة في أربع وعشرين ساعة.
ويقول موشي ديان وزير الحرب الهالك الملعون: العرب قوم لا يقرءون.
فمن يقرأ إذا لم نقرأ نحن؟
ومن يطالع إذا لم نطالع نحن؟
أمه أصيبت بالملل والسأم, يقرأ أحدنا ساعة ثم يقول: إن لعينك عليك حقاً, ولنفسك عليك حقاً, ولأهلك عليك حقاً.
يشعر المسلم بالإجهاض والانهزامية يوم أن يقف أمام تراث من تراث المسلمين, فما لذلك الخواجة يركب الطائرة وهو يقرأ، وفي القطار يقرأ، وهو منتظر في صالة المغادرة يقرأ، فلماذا يقرأ؟
أيريد جنة أم يخشى ناراً؟
لا, ولكن لأنه يعرف قيمة الوقت، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم} [المؤمنون:١١٥ - ١١٦].
أمة تقدر الوقت، أمة تحسب للدقيقة حسابها، أمة ترى أن الليل والنهار يطويان العمر، فحينما نعرف قيمة الوقت يا شباب الإسلام, يا أبناء لا إله إلا الله, يا أحفاد من رفع لا إله إلا الله، إذا عرفنا قيمة الوقت أنتجنا، وعلمنا، وطالعنا، لنكون نحن في مقدمة الأمم، وفي المنزلة الأولى، نحن كما قال أبو فراس الحمداني:
ونحن أناسٌ لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
إما أن نكون قادة العالم وعلماءه وأدباءه، وإلا فشهادة في سبيل الله، هذه أغلى الأماني التي يبحث عنها المسلم، أما حياة التبعية، وأن نعيش على هامش الأحداث، وأن يذهب الوقت سُدىً؛ لا مطالعة ولا ذكر ولا قراءة، فهذا ليس بصحيح، وأعظم ما يحفظ هي الصلوات الخمس, ويوم تترك الصلوات الخمس, فاعرف أنه الدمار والعار والشنار في الدنيا والآخرة، ويوم أن نتنازل عن الصلوات الخمس فهو الكفر البواح، ويوم نخل بالصلوات الخمس فاعرف أن رسالتنا قد أحرقت ورقتها في الساحة، وقد انتهت أصالتنا وعمقنا وانتصارنا وإرادتنا.
وما كل شيء يقرأ بل لا بد أن يكون المقروء شيئاً طيباً مثمراً مفيداً، والحمد لله مساجدنا ترحب بمصاحفها وآياتها البينات، ولكن نشترط على الجميع شرط أن يكونوا مؤمنين كما أسلفت، ليتقي الله إذا كتب في صحيفة، أن ينظر إلى نظر الله إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى, وليعلم أن الله يسأله يوم القيامة فيمَ كتب؟ ولماذا كتب؟ وعمن كتب؟ وليعلم أن هذه البلاد كما أسلفت بلاد قداسة، فليتق الله في هذه البلاد؛ فإنها بلاد لا إله إلا الله، أديباً رياضياً، شاعراً، قصصياً، لا نتفاوض معه حتى يؤمن بالله الذي لا إله إلا هو، وأما أن نجعل الدين في جهة, والأدب في جهة, والرياضة في جهة، فليس بصحيح، فهذه أمة مترابطة الأطراف، لابد أن تكون أمة رسالة وأمة معتقد، وأدبنا بالذات, ونسأل الله أن لايستغل مركب الإلحاد الرمزية المغرقة في الرمز، فإن سألنا أصحابها قالوا: إن وراءها أسرار لا تفقهونها أنتم، سبحان الله أنفقه شعر امرؤ القيس والمتنبي وأبي تمام ولا نفقه شعركم، أنعرف عمق إقبال وشوقي وهؤلاء القمم ولا نعرف شعركم، ما هو الشعر الرمزي المغرق في الرمزية الذي تفهمونه ولا نفهمه، فشعر وأدب وكلمة لا تفهمها الأمة ليس بأدب ولا شعر وكلام ولا عمق ولا أصالة، يا أمة الحب والطموح، يا أمة الرسالة الخالدة، أنا عرضت هذه الكلمة عرضاً مختصراً, ويكون في الأسئلة أجوبة على ما سوف يرد.
التحايا راسيات كالجبال والوفا أسرع من ريح الشمال
جئتكم بالحب صباً وافداً أنثر الأشواق في نادي الهلال
سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.