[جواز التوسع في اللعب المباح الذي لا يصد عن ذكر الله]
المسألة الثامنة: التوسع في بعض اللعب المباح الذي لا يصد عن ذكر الله ولا يشغل عن طاعته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مثل المناسبات والأعياد، كالرمي والنضل والمسابقة وإنشاد الشعر والمساجلة والمطارحة وبعض المزاحات التي لا يدخلها كذب ولا غيبة ولا استهزاء بالمسلمين ولا تقسي القلب.
والصحابة مزحوا بل مزح سيدهم صلى الله عليه وسلم، قيل لـ سفيان الثوري: المزح هجنة.
قال: بل سنة.
فكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولكن لا يقول إلا حقاً، وكانت تعجبه الدعابة صلى الله عليه وسلم.
وورد في السيرة: أن ابن النعيمان كان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رجلاً مزاحاً من الأنصار.
أتى أعرابي في المدينة بسمن وعسل فأخذ السمن والعسل منه، وقال: اطلب قيمته من ذاك الرجل (يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم) ثم ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: هذه هدية أهديتها لك يا رسول الله.
فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أصلاً يريد الدعوة، وأما الحساب وقضية الحساب فأمر آخر، فدعا له صلى الله عليه وسلم فلما انتهى وخرج وإذا بالأعرابي يقول: اعطني مالي.
قال: وما مالك؟ قال: قيمة السمن والعسل؛ فتبسم صلى الله عليه وسلم وأعطاه.
ابن النعيمان سافر مع أبي بكر إلى دمشق، فلما أصبحوا في الطريق أتى رجل من الأنصار وكان أسمر اللون، وكانت عنده الميزانية: التمر والدقيق والخبز وكل شيء، وكان هو الذي يوزع عليهم الأكل وابن النعيمان كان رجلاً أكولاً، يريد خمس أو ست وجبات في اليوم، وكان هذا الرجل المتصرف يريد أن يوزع عليهم وقت الوجبة فحسب، فكان يطلبه كثيراً يقول: اعطني تمراً، اعطني خبزاً فيرفض فقال ابن النعيمان: والله لأرينك.
فلما وصلوا إلى الشام وهناك أسواق يباع فيها الرقيق قبل أن يعتق الرقيق، ذهب ابن النعيمان إلى تجار من أهل الشام قال: عندي مولىً لي وسوف يقول لكم أنه ليس مولى، لقد اتعبني وأشغلني فأريد أن تشتروه مني.
قالوا: سمعاً وطاعة.
فنازلهم في الدراهم فلما دفعوا له القيمة، قال: تعالوا معي، وسوف يقول لكم: إنه حر فإن كنتم تريدون إشغالي وإشغاله فلا تأخذوه من الآن.
قالوا: لا.
فأخذوا الحبال واقتربوا منه، فلما قربوا منه قال: إني حر، أعيذكم بوجه الله، لا تقربوا مني.
قالوا: أخبرنا قبل أن تخبرنا أنك سوف تفعل، فقيدوه وسحبوه.
فلما أتى أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه قال: أين فلان؟ قال ابن النعيمان: بعته يا أبو بكر.
قال: ممن؟ قال: بعته قبل قليل في السوق.
قال: فعل الله بك وفعل، وضحك أبا بكر حتى استلقى رضي الله عنه وأرضاه فدخل أبو بكر السوق يلتمس وينادي: أين فلان؟ فأجابوه، فلما رأى التجار أبا بكر عرفوا وجهه؛ لأنه كان سفيراً في الجاهلية وفي الإسلام، صبيحاً قائداً زعيماً، فلما رآه قال: هذا فلان من أسرة آل فلان من الأنصار.
فأطلقوا له الرجل، قال: فلما وصل إلى الصحابة ضحكوا حتى ترادوا هذه القصة عاماً كاملاً.
هذا من ضمن ما ورد في المزح المباح، ولكن بعض المزح قد يجحف أو يغضب فعلى العبد أن يتجنبه.