للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نماذج من استجابة الله لأوليائه]

المسألة السابعة: فهي نماذج من استجابة الله لأوليائه.

إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل فصارت برداً وسلاماً.

حسبنا الله ونعم الوكيل قالها النبي صلى الله عليه وسلم في أحد {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:١٧٣ - ١٧٤].

إذا سمعت أحداً يتحرش بك، أو يكيد لك أو يتربص بك، أو يدير لك الدوائر فقل: حسبنا الله ونعم الوكيل.

وإذا سمعت تحزبات أو جلسات أو تخطيطات، ووصلت إليك، فقل: حسبنا الله ونعم والوكيل.

إذا كادك كائد، أو أراد أن يجتاحك ظالم، أو دبَّر لك مدبر أو وقف بك خبيث فقل: حسبنا الله ونعم الوكيل.

فهذا هو الدعاء وهذا مقامه، فسوف تنقلب برشد لا يمسك سوء بإذن الله.

وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم في بدر، فدعا دعاء عظيماً حتى سقطت بردته من على كتفيه، فنصره الله نصراً مؤزراً ما سمع التاريخ بمثله؛ لأنه التجأ إلى الله حتى يقول علي: {نظرت إلى الناس ما منهم إلا نائم، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فرأيته يدعو عند شجرة حتى الصباح}.

حتى يقول أبو بكر: {يا رسول الله! بعض مناشدتك ربك} يقول: يكفي، فألح عليه الصلاة والسلام حتى نصره الله.

ومن الدعاء المستجاب ما دعاه صلى الله عليه وسلم لدوس لما أتى الطفيل بن عمرو وقال: {يا رسول الله! إن دوساً عصت الله فادع عليهم، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم فقال الناس: هلكت دوس ويل لدوس، فقال صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم، اللهم اهد دوساً وأت بهم} فهداهم الله، وأتى بهم مسلمين.

ومن الدعاء المستجاب: أتى أبو هريرة إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقال: {يا رسول الله! أمي دعوتها إلى الإسلام فسبتني وأسمعتني سباً فيك، فادع الله لها، قال: اللهم اهد أم أبي هر، اللهم اهد أم أبي هر، اللهم اهد أم أبي هر فقال: عدت إليها فسمعت خشخشتها وراء الباب فإذا هي تغتسل، قالت: دونك، فخرجت فلبست ثيابها، وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله}.

ومن دعائه الذي استجيب عليه الصلاة والسلام: أن ابناً لـ أبي لهب أتى فآذى الرسول عليه الصلاة والسلام، وقيل: بصق في وجهه، فقال: {اللهم سلط عليه كلباً من كلابك} فخرج في تجارة إلى الشام فكان كلما أتوا ينامون، أخذ أصحابه فنام وسطهم، فقالوا: مالك؟ فقال: دعا علي محمد أن يسلط علي كلباً وأخاف من ذلك.

قالوا: ما عليك، قال: لا.

ثم حلف باللات والعزى ما دعا دعوة إلا أتت كفلق الصبح، فذهب فلما أصبح قريباً من الشام، نام وسط أصحابه، فلما انتصف الليل جاء أسد -وهو يسمى تجوزاً كلب من كلاب الله وغضنفر وليث- فاخترق النائمين، فاستيقظوا ورأوا الأسد، قال: كان يدنو من الرجل يشمشم وجهه، ثم يتركه -أي: ليس على الوصف فهو مرسول بوصف إلى رجل محدد- قال: فيتركه ويأتي إلى الذي جواره فيزيل عنه الغطاء ويشمشمه فلا يجد تلك الرائحة التي هو مرسول إليها، حتى أتى إلى الوسط فأخذ رأس ابن أبي لهب لقمة واحدة.

وأتاه رجل فسب الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {اللهم اقتله كيف شئت} فمن حقارته على الله -وحقارة هذا الرجل لأنه استهزأ بالرسول صلى الله عليه وسلم وسط الناس، وجزاء المستهزئين أن يحقروا- أنه ذهب يحلب عنزة فالتفتت إليه فرمحته فبجرت بطنه فمات عند رجلها، ما يحتاج أكثر من عنز، وما كلف إلا عنزاً.

النمرود بن كنعان ملك الدنيا، يقول: أريد أن أقتل إله إبراهيم، فابتلاه الله ببعوضة فأكلت من دماغه حتى أصبحت كالعصفور، فكانت إذا فرفرت وجد طعم الموت، فيضربونه حتى يهدأ، فضربه أحد خدمه فطير رأسه فمات.

وقوم سبأ كان سد مأرب في اليمن، فبطروا وأعرضوا وتجبروا على عباد الله، فأرسل عليهم فأرة فهدمت سدهم، ولذلك يقولون عنهم: هدمت سدهم فأرة، وأخبر بهم هدهد، ودل عليهم عقرب أو كما قالوا.

فإذا علم هذا، فهذا من الدعاء الذي تم، وأتى عامر بن الطفيل وأربد بن قيس يريدان اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال الطفيل لـ أربد: سوف أشغل محمداً عنك، فإذا شغلته فاقتله، فأخذ يكلمه ولا يتقدم ذاك، فكلمه وكلمه فلا يضرب، فلما انتهوا قال: مالك؟ لن أرهبك بعد اليوم، قال: كيف؟ ثم أقسم ما أردت أن أضرب إلا رأيتك أنت بيني وبينه أفأقتلك؟!

فعلم عليه الصلاة والسلام أنهم أرادوا قتله فقال: {اللهم اكفنيهم بما شئت} فأما عامر بن الطفيل فأتت فيه غدة كغدة البعير حتى سالت على صدره، فأخذ يحكها فكلما حكها نزلت حتى غطت بطنه، فقال: أموت في بيت امرأة من بني سلول -وقد كان في بيت عجوز في الطريق- أركبوني على الفرس وأخذ يصيح ويقول: غدة كغدة البعير، في بيت امرأة سلولية، فقتله الله.

وأما أربد بن قيس فأخذ جمله وبضاعته وأراد السوق، فلما أصبح بين بيته والسوق أرسل الله عليه صاعقة، فأخذت الرجل والجمل والخرج والبضاعة والخطام.

لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار

فهذا من الأدعية.

وأما ما استجاب الله للصالحين فكثير وكثير، وأكثر ما استجاب لـ سعد بن أبي وقاص، يقول: {يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، قال: يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة}.

وفي صحيح مسلم: {وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له!}.

فقد جاء سعداً رجل وافترى عليه، فقال: لا يحكم بالسوية ولا يعدل في الرعية، ولا يخرج في السرية، فدعا عليه، فقال: إن كان كاذباً فأطل عمره وعرضه للفتن، فأطال الله عمره وعرضه للفتن، حتى سقط حاجبا هذا الشيخ على عينيه، وكان يتعرض للبنات في شوارع الكوفة يغازلهن، ويقول: شيخ مفتون، أصابتني دعوة سعد.

وتكلم رجل في ١٠٠٠١١٢>طلحة والزبير عند سعد بن أبي وقاص فقال: لا تسب إخواني، فقال: والله لأسبنهم، قال: اللهم اكفنيه بما شئت، فانطلق جمل من الكوفة فتأخر الناس عنه، فأتى إلى هذا الرجل ثم ضربه بيده -الجمل ضرب الرجل بيده، والقصة عند الذهبي في السير - فقتله.

وغيره كثير من دعاء سعد رضي الله عنه، وأرضاه.

وأما العلاء بن الحضرمي، فإن الصحابة قحطوا وهو قائد الجيش، فقال: [[يا عليُّ! يا عظيم! يا حكيم! يا عليم! اسقنا]] فأتت سحابة فأمطروا.

ودخلوا في البحر فسأل الله أن يجمد لهم البحر فجمد لهم فمشوا عليه، وما فقدوا إلا مخلاة، فأتى رجل وإذا هي معلقة في البحر، ما أصابها الماء، فأخذها.

ومن كرامة الأولياء واستجابة دعائهم ما حصل لـ أم أيمن رضي الله عنها وأرضاها، فقد خرجت مهاجرة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وفي أثناء الطريق عطشت وظمئت، وظلت تبحث عن الماء حتى أشرفت على الموت، فدعت الله، فنزل لها دلو من السماء فشربت منه، ثم عاد الدلو فما ظمئت في حياتها كلها، وقد عاشت بعد هذه الشربة ما يقارب أربعين سنة.

والبراء بن مالك قال عنه صلى الله عليه وسلم: {رب ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، منهم: البراء بن مالك} فكان إذا أقسم على الله أبر الله قسمه، حضر تستر مع المسلمين فقالوا: يا براء! نسألك بالله أن تقسم على الله هذا اليوم أن ينصرنا، قال: انتظروني قليلاً، فذهب ولبس أكفانه وأتى بالسيف، وقال: [[اللهم إني أقسم عليك أن تجعلني أول قتيل، وأن تنصر المسلمين هذا اليوم]] فكان أول قتيل وانتصر المسلمون بإذن الله، فهذه درجة من الإحسان، من الناس من لو أقسم على الله لأبره.

<<  <  ج:
ص:  >  >>