للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صلاة عمار في الأسحار]

نام عليه الصلاة والسلام بجيش عرمرم في ذات الرقاع -كما عند أبي داود بسند صحيح- وكان الجيش هائلاً يحتاج إلى حراسة ليلية حتى لا يجتاح من الكفار، فقال صلى الله عليه وسلم: {من يحرسنا هذه الليلة؟} قال عمار بن ياسر: أنا يا رسول الله، وقال عباد بن بشر: أنا يا رسول الله، رجل من المهاجرين هو عمار، ورجل من الأنصار هو عباد بن بشر، ولكلٍّ منهم قصة في التاريخ، ولولا الإسهاب لوقفتُ وقفة إجلال مع كل رجل.

أما عمار فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: {تقتُلُك الفئةُ الباغية} وقُتِل في صفين، وقد نيَّف على الثمانين رضي الله عنه وأرضاه.

وأما عباد بن بشر فهو صاحب المواقف المشهودة، وقد قتل شهيداً في اليمامة.

فقام الاثنان في الليل؛ فقال عباد لـ عمار: أتحرس الجيش أول الليل أو آخره؟ قال عمار: أنا أول الليل وأنت آخر الليل.

فنام عباد وقام عمار، فقام يصلي ويقرأ سورة الكهف، وأتى عينٌ من الكفار وجاسوس من المشركين، فأرسل الأسهم على عمار وعمار يصلي، وخاف أن يقطع الصلاة؛ لأنه في حياة من التجليات مع الواحد الأحد، في اتصال مع الحي القيوم، يقرأ ويصلي، فأرسل السهم فوقع في جسم عمار حتى نزف الدم، فأخرجه عمار، فأرسل السهم الثاني فنزعه، فأرسل الثالث فنزعه، فلما غشيه الدم خفف الصلاة وركع وسجد وسلم وقام يسحب بجسمه ودماؤه تنزف وقال لـ عباد: قم عليك بالحراسة، والذي نفسي بيده! لولا خشية أن يُجْتاحَ الجيش لأكملت الصلاة ولما قطعتُ سورة الكهف.

فقام عباد يحرس جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

الصالحون يدعون الله عز وجل، وأقرب الطرق إليه الطريق غير المُزاحَم، أي: أنك قريب من الله متى دعوته، ولا تفرح بحصول كيان من الكيانات لك، أو بشفاعتك، أو بواسطتك، ولكن افرح لأنك قريب من الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>