للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإخلاص]

اعلموا -أيها الإخوة الأجلاء- أن هذا العلم الشرعي لا يحصل، ولا يبارك فيه، ولا يؤتي ثمرته، ولا يحفظ في الأذهان إلا بإخلاص، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥] وقال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣] وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦] وقال أيضاً: {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:٢٠].

وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن أول من تسعر بهم النار، قارئ يقال له: {تعلمت العلم وقرأت القرآن فماذا فعلت فيه؟ قال: علمت الجاهل وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فيقول الله -وهو أعلم بالسرائر- كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، إنما تعلمت ليقال عالم، خذوه إلى النار، فيؤخذ فيدهده ويجر حتى يقذف على وجهه في النار}.

وفي حديث حسن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من تعلم العلم ليجاري به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسافة أربعين سنة} وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا فالنار النار} وفي لفظ: {فليتبوأ مقعده من النار} وكان معاذ وابن عمر يبكيان من هذا الحديث بكاء عظيماً؛ لأنه حديث مرهب ومخوف؛ لكن لمن عاش خوفه وإرعابه ورهبته.

فالإخلاص: أن تطلب العلم لوجه الله، ولرفع الجهل عنك، فإنك إذا فعلت ذلك أعطاك الله خيراً من الدنيا وما فيها، والذي يطلب العلم للدنيا، ينال حظاً سهلاً ووظيفة، أو منصباً أو جاهاً، ولكن والله ما عند الله عز وجل من النعيم وقرة العين والكرامة، والإغداق والسرور، والحبور والدور والقصور في جنة عرضها السماوات والأرض لا يعادله أي نعيم، لكن لطلبة العلم العاملين، وهذا أمر لا بد أن يرسخ في الأذهان.

ومن مقاصد طلب العلم بالإضافة إلى أن ترفع به الجهل عن نفسك، أن ترفع به الجهل عن أبناء أمتك، ثم تصبر على الأذى فيه، وتعمل به في حياتك ومع الناس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>