للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حال الصحابة مع الطامة الكبرى]

{أتى أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث سنده جيد- فقال: يا رسول الله! أين ألقاك يوم الزحام؟ (أي يوم العرض الأكبر)؟ فقال عليه الصلاة والسلام: في إحدى ثلاث مواطن لا أغادرها: إما عند الصراط، أو عند تطاير الصحف، أو عند الميزان}.

علم الصحابة كان علم اليقين وأما علمنا فهو ظن، والفارق بيننا وبينهم أنا نسمع عن اليوم الآخر ونعرف أن هناك يوم آخر ولكن هم يعملون ويكدحون ويتهيئون له، فأما نحن فقاعدون غافلون، هذا هو الفارق العظيم.

من الذي جعل جعفر الطيار رضي الله عنه يأتي إلى مؤتة فتقطع يمينه ويساره ويحتضن الراية بعضديه ويقول:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

من الذي جعل أنس بن النضر يقول لـ سعد بن معاذ: [[إليك عني، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]].

قال أهل التاريخ -وأصل الحديث عند البخاري في كتاب الجنائز: باب البكاء على الميت-: لما حضرت معركة أحد أتى عبد الله بن حرام الأنصاري والد جابر رضي الله عنه وأرضاه، فتمنى على الله الشهادة ورأى في المنام أنه أول قتيل في المعركة، وحضر معركة أحد بعد أن لبس أكفانه وسأل الله قبل المعركة بقوله: اللهم خذ هذا اليوم من دمي حتى ترضى.

وقتل رضي الله عنه.

قال جابر: فأتيت الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي مسجىً في ثوب، وأنا أبكي والناس ينهونني عن البكاء والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، فقال جابر -وقيل عمة جابر أخت عبد الله كما قال الشوكاني - قالت: يا رسول الله أأخي في الجنة فأصبح محتسبة أم هو غير ذلك؟ قال: {إنها لجنان كثيرة وإن أخاك في الفردوس الأعلى}.

ثم قال عليه الصلاة والسلام: {يا جابر! أتدري ماذا فعل الله بأبيك؟ قال: لا.

يا رسول الله.

قال: والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان فقال: تمن يا عبدي.

قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية.

قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون؛ فتمن.

قال: أتمنى أن ترضى عني؛ فإني قد رضيت عنك.

قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً}.

وقال سبحانه: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:٢٧] قيل: يا ليتني اتخذت الرسول صلى الله عليه وسلم سبيلاً وطريقاً اهتدي به، وأل في الرسول هنا للعهد وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أي: يا ليتني اتخذته إماماً وقدوة، وقد أغلق الله أبواب الجنة بعد مبعثه عليه الصلاة والسلام فلا تفتح إلا من بابه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>