للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رقابة الله سبحانه وتعالى]

الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين على العرش، الذي يعلم نيتك وخطراتك وسكناتك، على العرش.

الذي يعلم صدقك، ويرى نظرتك، وتحركك، على العرش.

الذي يعلم صدق الصادقين، وخيانة الخائنين، وربا المرابين، وزنا الزانين، وكذب الكاذبين، وغش الغشاشين، على العرش.

يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليل

{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩].

جاء عمير بن وهب إلى صفوان بن أمية -جاهليان، مشركان قبل أن يسلما- جلسا عند الكعبة تحت الميزاب، والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة، وهما في مكة، جلسا يدبران جريمة اغتيال المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ أكبر جريمة في تاريخ الإنسانية، جلسا تحت الميزاب عند الكعبة يتشاوران في قتله صلى الله عليه وسلم، لكن الذي على العرش استوى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧] وخطتهم، فكشف مخططاتهم، وأخبر رسوله في المدينة صلى الله عليه وسلم.

قال صفوان لـ عمير بن وهب: اذهب إلى المدينة فاقتل محمداً، دمك دمي، وهدمك هدمي، وأنا أتولى أطفالك ومالك.

فأخذ عمير سيفه، فسمه بالسم الأزرق شهراً كاملاً، ثم ذهب إلى المدينة، ولكن الله يحمي الله رسوله؛ لأنه على العرش، فلما وصل المدينة رآه عمر مقبلاً فيه خيانة وغدر، وحقد دفين، وموت أحمر، فأخذه بتلابيب ثيابه وبسيفه، وأدخله المسجد بالقوة وبالجبروت، وبالصمود والتحدي، وأجلسه عند الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول! الله هذا الشيطان أتى لأمر، فقال صلى الله عليه وسلم، وهو يتبسم: {ما جاء بك يا عمير بن وهب؟ قال: جئت لأسلم على إخواني من أسارى بدر وأفديهم بالمال، فتبسم صلى الله عليه وسلم؛ لأن الذي على العرش استوى أعلمه، قال: بل جلست أنت وصفوان تحت ميزاب الكعبة ليلة كيت وكيت في الليل، وقال لك: كذا وكذا، وقلت له: كذا وكذا، وأتيت لتقتلني وما كان الله يسلطك عليّ قال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، وأسلم}.

ذهب فضالة أحد العرب، وأخذ خنجراً ليقتل المصطفى عليه الصلاة والسلام، فطاف معه في الطواف، وظن أن الذي على العرش لا يعلم رسوله، لكنه أخبره وقال له: انتبه من فضالة، غادرٌ يريد قتلك، فأتى عليه الصلاة والسلام إلى فضالة وهو يطوف، قال: {ماذا تقول يا فضالة؟ قال: أستغفر الله وأتوب إليه، أسبح وأهلل، قال: تب إلى الله يا فضالة، بل أتيت بخنجرك لتقتلني، وما كان الله ليسلطك عليّ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله}.

جاءت امرأة أوس بن الصامت تشكو زوجها، دخلت على المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو في بيت عائشة، فأخذت تخفض صوتها لئلا تسمع عائشة الصوت، ولكن {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] سمع الصوت، قالت عائشة: [[والله ما سمعت صوتها، ولا أدري ما قالت، وهي بطرف البيت بجانبي]] وأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:١].

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] يراك وأنت وراء الحيطان، والجدران:

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها: إن الذي خلق الظلام يرانِ

أتى أحد الأدباء إلى الإمام أحمد، فقال له الإمام أحمد: من أنت؟

قال: أنا أديب أحفظ أشعار العرب، قال: أسمعني بعض الأبيات، الإمام أحمد؛ إمام أهل السنة والجماعة، الذي إذا جلس في الغرفة وحده كفكف جسمه، وتهيأ، وانضبط في جلسته، وخشع لله.

فيقول له أبناؤه: إذا جلست مع الناس جلست مستريحاً منبسطاً، وإذا جلست وحدك كفكفت نفسك، قال: أما يقول الله: {أنا جليس من ذكرني فهو معي}.

قال له الأديب هذا، اسمع يا إمام، يقول الشاعر:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب

فترك كتبه ومحفظته وقلمه وقام، وأغلق غرفته، قال هذا الأديب: والله لقد سمعت بكاءه من وراء الباب، وهو يردد البيت:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل: عليَّ رقيب

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>