وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم , قال جابر: أتاني رجل من اليهود عليّ له دين, فقلت: أمهلني؟ فقال: والله لا أمهلك -أو حلف بإلهه وبآلهته- قلت: أنظرني قليلاً؟ قال: أنظرك, فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أشكو له حالي, قلت:{يا رسول الله! هذا يهودي له عليّ مال كثير، ومالي لا يقوم بأداء ماله عليّ, قال عليه الصلاة والسلام: أعندك شيء من تمر؟ قلت: يا رسول الله! شيء قليل من تمر, قال: اجمعه لي حتى آتيك يأتيه في قباء في ديار بني سلمة عند المسجد فأتى عليه الصلاة والسلام قبل صلاة الظهر فدخل قال: أعندك عريش؟
قال: نعم, فنام فيه قليلاً صلى الله عليه وسلم, ثم استيقظ وأتى إلى التمر وهو حفنات قليلة, ودين اليهودي كثير, فأتى صلى الله عليه وسلم فأكل تمرة ثم دعا بالبركة في التمر, ثم قال: يا جابر! ادع ديانتك جميعاً -أي: كل من له دين عليك في المدينة ادعه ليأخذ من هذا التمر- فأعلن فيهم جابر فأتوا بأكياسهم، وأتوا بمواعينهم، وأتوا بكل ما يستطيعون أن يأتوا به فأخذوا, فقال جابر فوالله ما كأنه نقص تمرة واحدة، قال: فأشرفت على التمر, فتبسم عليه الصلاة والسلام قال: {أتشهد أني رسول الله، اذهب إلى عمر بن الخطاب وأخبره بهذا} انظر من اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم كيف اختار عمر؛ لأن عمر رضي الله عنه وأرضاه رجل إذا كسب فكأنه بألوف، بل بملايين من الرجال, فمثل هذه المعجزات تنفع في مثل عمر رضي الله عنه, فهو أشبه الناس بموسى عليه السلام, ولذلك كثّر الله لموسى من الآيات البينات, حتى موسى لما كلمه الله من فوق سبع سموات وليس بالأمر السهل فلما كلمه قال موسى:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف:١٤٣] , أي: لا أكتفي بالكلام.
فلذلك لما ذهب وأخبر عمر قال عمر: لقد علمت والله أنه رسول الله, والله لقد علمت أنه ما أتاك إلا وسوف يبارك الله في ذاك التمر.