للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جهاد المصطفى عليه الصلاة والسلام]

يعيش المصطفى صلى الله عليه وسلم الجهاد, فيأبى التصوف الهندي الهندوسي، التصوف الذي أخزى الأمة, التصوف الذي جعل من الإنسان قطعة من قماش بالية في سراديب الظلام, وجعل منه قطعة لحم عفنة لا يعرف معنى الإسلام, يأباه عليه الصلاة والسلام ويقول للناس: {وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

ويقول في الصحيحين: {والذي نفسي بيده! لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل, ثم أحيا ثم أقتل} ويقول: {لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما عليها} ويقول عليه الصلاة والسلام لما سأله سائل: هل يعدل أجر المجاهد شيء؟ قال: {هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم ولا تفطر وتقوم ولا تفتر؟} لا يستطيع أحد.

فيركب الخيل عليه الصلاة والسلام، ويركب بغلته ويباري الأبطال، ويضرب جماجم الطغاة في معترك الحرب, ويركب ناقته عليه الصلاة والسلام.

يخوض أكثر من عشرين معركة قتال, وأكثر من أربعين غزوة وسرية وقافلة وحج وعمرة وسفر في سبيل الله.

يعيش الجهاد بكل شيء, بعينه وأذنه وسمعه وبصره, كلامه جهاد, وتحركه جهاد, وقتاله جهاد, وخطبه جهاد, يقف على المنبر فيعقد الرايات لسيف الله خالد بن الوليد , خالد الذي رباه عليه الصلاة والسلام في المسجد, فلم يربه على الأغنية الماجنة، ولا على المجلة الخليعة، ولا على الكأس والسهرة، يربيهم على لا إله إلا الله, ويعطيه الراية ويقول له من على المنبر: {خالد سيف من سيوف الله سلَّه على المشركين} فيقاتل خالد في مائة معركة ما هزم في معركة أبداً.

تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها

ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رام الروم إلا طاش راميها

هذا خالد وهو حسنة من حسنات محمد عليه الصلاة والسلام.

المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء

ويعيش عليه الصلاة والسلام الجهاد في كل ميادينه, حتى في ميادين الأدب, لم يحول الأدب صلى الله عليه وسلم تحويلاً يائساً سخيفاً, لم يجعل من الأدب والشعر تغزلاً بامرأة، ولا تشبباً بفتاة, ولا مدحاً لسهرة, ولا تزلفاً إلى قوم، وإنما جعله رسالة يدخل بها إلى الجنة قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:٢٤ - ٢٥].

حسان شاعر الدعوة, حامل لواء لا إله إلا الله في الأدب والشعر والجلسات والأندية والبطولات, يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قائداً للشعراء للجنة, ويقرب منبره عليه الصلاة والسلام لـ حسان ويقول: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} فيقف حسان , وماذا يقول حسان؟ يقول:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد

فيدعو له عليه الصلاة والسلام, ويقول حسان: ليدخل بهذه الأبيات, وليست كالأبيات الرخيصة التي يحارب بها الله, ويحارب بها الإسلام, ويضيع بها الوقت والعمر, يقول حسان:

عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء

تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء

فإما تعرضوا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء

وإلا فاصبروا لجلاد يوم يعز الله فيه من يشاء

وقال الله قد يسرت جنداً هم الأنصار عرضتها اللقاء

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

رضي الله عنك يا حسان , وصلى الله وسلم على أستاذٍ علمك, وعلى معلمٍ أنبتك ودربك وأحياك بلا إله إلا الله أديباً وشاعراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>