للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصبر في دعوة الناس]

السؤال

أطلب منكم أن تبينوا حكم من نصحته عن منكر ولم يرتدع، ونصحته ولم يرتدع، فهل يجوز لي الجلوس معه؟ وما الحكم لو كانوا من الأهل؟

الجواب

جانب النصيحة يحتاج إلى زمن، يحتاج إلى صبر، يحتاج إلى أن تتحمل المنصوح أياماً طويلة حتى تعذر إلى الله عز وجل، ما تستطيع أن تصلح الرجل في نصف ساعة ولا في ساعة ولا في يوم، محمد عليه الصلاة والسلام هدى الله به الناس في ثلاثٍ وعشرين سنة، حاور الناس في ثلاثٍ وعشرين سنة على كلمة، وأنت اهتديت اليوم وتريد غداً أن تحول بيتك، هذا متعذر إلا أن يشاء الله، لكن سنن الله عز وجل في الكون: أن الأمور تأتي برتابة، الشمس ما تأتي فجأة وتغرب فجأة، النبتة ما تصعد اليوم وتثمر غداً، بل تأخذ مسارها، فالكلمة لا بد أن تصل، ثم تعطف عليها بالكلمة، ثم بالبسمة، ثم بالدعوة، ثم بالنصيحة.

جلست مع رجل صالح كبير في السن في بلد ما، هذا الرجل هدى به الله مجرماً من المجرمين، كان هذا المجرم فتاكاً مروجاً للمخدرات، يطارد الناس، ورجال الأمن يطاردونه بالسلاح، ما يعرف يتخاطب إلا بالرصاص، وهذا الرجل فتك بعباد الله عز وجل، وروع الآمنين، حتى ظن بعض الناس أنه لن يهتدي وأصبحوا يدعون عليه، فأتى هذا اللبيب العاقل فأخذ هدية وذهب بها إليه، هدية غالية، وما تكلم معه بكلمة ثم أعطاه قال: فأخذ الهدية وسكت، قال: وبعد فترة، وأنا كل ليلة كلما قمت في الثلث الأخير، يوم يتنزل الله إلى السماء الدنيا، أدعو الله أن يهدي قلبه، قال: ثم ذهبت فدعوته إلى بيتي فاستجاب لي، فعزمته على وجبة دسمة، فأكلها وذهب، وما قلت له شيئاً، ثم زرته، وجلست معه وما تحدثت له عن شيء، وبعدها زرته وفاتحته في الهداية، فبدأ معي بكلمة ثم زرته، ثم أخذته إلى المسجد، ثم أسمعته شريطاً ثم مضيت معه في الأيام حتى اهتدى معي إلى صلاة الجمعة، ثم حضر واهتدى وشرح الله صدره، ثم أصبح ولياً لله قال الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:٢٦٩].

أما أن تقول: أجب وإن لم تجب أذبحك، هذا عند حمورابي، ليس عند محمد عليه الصلاة والسلام، في بعض الناس يدعوه اليوم ويهجره غداً، الهجر سهل لأن الهجر عند بعض الدعاة أن تهجره وترتاح، الهجر لا يكون إلا بعد أن تصبر، قال ابن تيمية: في القرآن هجر جميل، وصبر جميل، وصفح جميل، ثلاثة ألفاظ في القرآن، صبر جميل، وهجر جميل، وصفح جميل، قال: الصبر الجميل الذي لا شكوى فيه، والصفح الجميل الذي لا عتب فيه، والهجر الجميل الذي لا أذى فيه.

فإذا ما استجاب لك فالهجر.

وقد عقد أهل السنة في أبواب الحديث والفقه: باب الهجر، البخاري عقد على قصة الثلاثة: باب الهجر، هجر أهل المعاصي المتخلفين عن تبوك، فتهجره عن الود، تهجره عن الزيارة، تهجرة -مثلاً- من السلام، لكن لا تقطع وده مرة واحدة، تبقى تراسله، إلا إذا عذرت إلى الله عز وجل، وكانت المسألة من الفرائض الواجبات التي تعمد تركها، فحينها المقاطعة، والله تعالى يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ} [المجادلة:٢٢] لكن بعد أن تعذر إلى الله، وبعد أن تبلغه الحجة، وبعد أن يصفى منهجك ويبين عذرك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>