[شكر الله على نعمه]
إخوتي في الله! إن شكر الجسم أن تؤدي حقه مع الله عز وجل، فتستخدمه فيما يقربك من الله.
وشكر اللسان الثناء، وشكر اليد الوفاء، وشكر العين الإغضاء، وشكر الوجه الحياء منه سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وقد كان عليه الصلاة والسلام، وهو يعظ أصحابه، ويردهم إلى الله وينصحهم، وهم من أحيا الناس مع الله، ومن أقربهم إليه، يقول صلى الله عليه وسلم: {استحيوا من الله حق الحياء -فيقولون له عليه الصلاة والسلام، وهم يظنون أن الاستحياء دخول الإسلام، وهذا من الحياء، لكن مرتبة الحياء الكبرى أن تجعل بينك وبين المعاصي حجاباً- قالوا: يا رسول الله! والله إنا لنستحيي من الله حق الحياء.
قال عليه الصلاة والسلام: ليس ذلك بحق الحياء، حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ومن تذكر البلى ترك زينة الحياة الدنيا}.
قال أهل العلم: الحياء في العين: ألاَّ تنظر بها إلى ما يغضب الله عز وجل، وحياء الأذن: ألا تسمع بها ما يغضبه تبارك وتعالى، وحياء اليد: أن تكون محبوسة تحت طاعة الله عز وجل، وحياء الرجل: ألاَّ تمشي بها إلا في مرضاته عز وجل، ولذلك كان من معالم المحاسبة عند أهل السنة والجماعة: أن الله عز وجل يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة، فيحاسبهم كما خلقهم وكما بدأهم أول مرة، يحاسبهم على الأعضاء، ولن تجد عضواً أشد خطورة ولا ضراوة على الإنسان من لسانه.
ويحق لـ أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ومن مثل أبي بكر في إيمانه وزهده وعبادته؟ أبو بكر الذي أنفق ماله كله في سبيل الله، وأتعب جسمه لرفع لا إله إلا الله، وبقي ساهراً حريصاً على الأمة يقودهم إلى الله عز وجل، وهو مع هذا يقف في مزرعة رجل من الأنصار، ويمد لسانه ويبكي ويقول: [[هذا الذي أوردني الموارد]] أي: المهالك، فإذا كان الصديق خائفاً، فما بالنا نحن لا نخاف؟! وما بالنا لا نعود ونحاسب أنفسنا؟! وقل لي بالله عليك كم نذكر الله في اليوم؟ وكم نتكلم بكلام ليس بذكر؟ وإذا عادلنا كلامنا مع الناس، وهذاءنا، وهراءنا، وتسويفنا، كم نعادله؟ هل هو بمعشار العشير مع سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؟
ومقصود هذا الكلام حفظ النعم التي أنعم الله بها علينا، فإن الله عز وجل إذا أنعم على العبد انتظر سُبحَانَهُ وَتَعَالى حتى يرى ماذا يفعل العبد هذا، فإن حفظ النعمة بالطاعة زاده سُبحَانَهُ وَتَعَالى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧] وإن ضيعها أخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
فيا من أنعم الله عليه بنعمة الشباب، إن كنت تريد حفظ هذا الشباب فليس حفظه إلا بحفظ الله.
ويا من أنعم الله عليه بالمال، حفظ المال بحفظ الله.
ويا من أنعم الله عليه بجاه، أو بمنصب، أو بولد، إذا أردت المحافظة على ذلك فاحفظ الله عز وجل، وإلا فانتظر الزوال والنكبة إن عاجلاً أو آجلاً.
قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: والله إني لأعصي الله عز وجل في الليل فأجد جزاءها في النهار.
فقال له بعض أهل العلم: نحن لا نجد الجزاء في النهار، جربنا أنا نعصي الله عز وجل في الليل كثيراً فلا نجده في النهار.
قال: إنكم أكثرتم من الذنوب فما تعلمون من أين تؤتون.
أي: لا تعلمون من كثرة جزاءاته من أين تؤتون.
ولا يظن ظان أن الجزاء والعقاب أن تنزل عليه صاعقة أو قذيفة، أو يعذب بمرض، لا.
إن أشد العقاب أن يقسي الله قلب هذا المجرم، وأن يطبع على فؤاده، وأن يبتليه سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالصد عن سبيله، ويزيده سُبحَانَهُ وَتَعَالى ضلالاً؛ لأنه هو الذي زاد ضلالاً وحياداً عن الله، قال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:٥].
وحكي عن بعض الصالحين وقد ذهب إلى صلاة الجمعة، فانقطعت حذاؤه، فقالوا له: مالك؟ قال: تذكرت أني لم أغتسل للجمعة؛ فانقطعت حذائي.
قال ابن تيمية: قللوا الذنوب فعرفوا من أين يؤتون.
فلما أكثرنا الذنوب والخطايا أصبحنا لا ندري من أين نصاب، أبالهموم والغموم والأحزان؟ أم بفساد الأبناء؟!
وليست النعمة في مفهومها عند عقلاء المسلمين أن تكثر الأرزاق، هذه نعمة، ولكن النعمة أن نستقيم مع الله، وأن نتجه إليه، وأن نحسن معاملتنا معه، وإلا لو كانت النعمة بهذا المعنى لكان الكفار وهم أكثر منا قصوراً ودوراً، وذهباً وفضة، وجاهاً ومنصباً، وأموالاً وأولاداً، أصحاب نعمة.
لكن الله يقول: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ} [الزخرف:٣٣ - ٣٤].