[القرآن معجزة لرسولنا صلى الله عليه وسلم]
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {الم} ما هي هذه الحروف؟ ما المراد بها؟ ما هذه القذائف التي تتقدم سورة البقرة؟
إنه نبأ عجيب! ذكر سيد قطب -رحمه الله- في الظلال: أن أول سورة البقرة نسف وإبادة لبني إسرائيل.
فكثيراً ما تقرأ فيها: (يا بني إسرائيل، يا بني إسرائيل، يا بني إسرائيل).
افتتح الله عز وجل هذه السورة بقوله: {الم} ثم سكت الخطاب، ووقفنا عند هذه الآية، ما معنى هذا الكلام؟ هل شعراء العرب يدركون: {الم}؟ هل خطباء العرب يدركون: {الم}؟ هل علماء الإسلام يدركون: {الم}؟ سبحان من أعجز بكتابه وأسكت به الخطباء وأصمت به الشعراء!
العرب أفصح أمة، وشعراؤها أفصح شعراء، ولكل نبي معجزة من جنس ما برع فيه أمته.
فموسى عليه السلام أتى والسحر قد بلغ ذروته؛ فأعطاه الله العصا فتلقفت ما صنعوا في لحظة.
وعيسى عليه السلام بعث في أمة بلغت الذروة في الطب وتكنولوجيا الطب؛ فجعله الله يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنه سبحانه؛ ولذلك يقول أحمد شوقي للرسول عليه الصلاة والسلام في نهج البردة:
أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم
يقول: إن كان عيسى عليه السلام قد أحيا رجلاً بإذن الله، فأنت قد أحييت ملايين من الأمة الإسلامية، التي ضاعت في التاريخ، وضاعت في الصحراء والبيداء: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢].
كان الكفار يستمعون للرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ، حتى أتى الطفيل بن عمرو فقال: ما زال بي كفار مكة حتى وضعت القطن في أذني -والرواية في صحيح مسلم - أخذ القطن فوضعه في أذنه اليمنى واليسرى لئلا يسمع الخطاب.
أتدرون ما هي الحرب الدعائية الإعلامية والشائعات ضد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ كانوا يقولون: ساحر كاهن، شاعر.
كان إذا جاء وافد يدخل مكة لقوه في الطريق وضيفوه وقالوا له: انتبه عندنا ساحر في الحرم، احذر أن يسحرك!
قال الطفيل: فما زالوا بي حتى وضعت القطن في أذني، ثم نزلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ حول الكعبة، فلما افتتح قراءته قلت لنفسي: يا عجباً! أنا رجل شاعر ورجل أديب؛ فلماذا لا أسمع كلامه؟ فإن أعجبني فبها ونعمت، وإلا عرفت أنه سحر.
قال: فما زالت نفسي تراودني حتى ألقيت القطن من أذني -هذا أول الخير- فسمعته يقرأ قرآناً وقع والله في قلبي.
فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
وهذا جبير بن مطعم من سادات مكة، الذين كانوا يكسون الكعبة سنة وكفار قريش يكسونها سنة، حلف ألَّا يستمع إلى آية واحدة، يقول له الصحابة: تعال فاستمع، فإن أعجبك وإلا فاترك؛ فحلف وأقسم بلاته وعزاه ومناته ألا يستمع إلى آية واحدة! وبتوفيق الله أراد الله أن ينجيه من النار، فمر والرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في الحرم بالمسلمين ولم يدخل لئلا يستمع، بل وقف خارج الحرم، وفجأة سكتت الأصوات، وارتفع صوته صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب يدوي في الحرم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} [الطور:١ - ٥].
وأخذ يواصل حتى بلغ آخر السورة؛ عشرون سؤالاً لو وقعت على ملحد وله بقية من قضاء وقدر عند الله أن يؤمن لآمن! {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَات وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الطور:٢٩ - ٤٣].
هل يقف القلب أمام هذه الآيات؟ يقول: كاد قلبي أن يطير فترك ناقته ودخل الحرم مباشرة وقطع الصفوف، فلما سلم الرسول عليه الصلاة والسلام وضع يمينه في يمينه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله.
أهذا قول ساحر؟! أهذا قول كاهن؟! أهذا قول شاعر؟!
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:٥ - ٦].
وهناك يذهب عليه الصلاة والسلام إلى الرقيق وإلى أهل الكير (الحدادين) صهيب وبلال وخباب بن الأرت وأمثالهم، فيخبرهم بالقرآن فيسلمون، فيقول كفار مكة: لا يعلمه القرآن إلا خباب وخباب أعجمي وصهيب أعجمي، وجاء في بعض الروايات: {أفيعلم الأعجمي العربي؟} يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:١٠٣].
دخل طبيب العرب الكندي، وكان فيلسوفاً، وفي ذهنه شوشرة ووسواس، لا ينزل وسوسته إلا درة عمر بن الخطاب، لو أدركه عمر لأعطاه سبع درات ثم لا يجد بعدها ألماً أبداً في رأسه، دخل بيتاً وقال: أريد أن أؤلف كتاباً مثل بلاغة القرآن.
قال له علماء المسلمين: اتق الله، خف الله.
قال: لا، أنا أريد من بلاغتي أن أؤلف كتاباً مثل القرآن.
فدخل وأخذ القلم والورقة، ثم فتح القرآن ونظر إليه فوقع نظره على أول سورة المائدة، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة:١] فانذهل! وقال: نادى، وأمر، واستثنى، ونهى، ومدح، ووصف، وختم في آية! ثم بقي مبهوتاً، فشلَّ الله في جلسته نصفه، فأصبحت يده ورجله مشلولة، وخرج وفيه هرج ومرج: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ} [فصلت:١٦].
وأبو العلاء المعري المارق كان ذكياً من أذكياء العالم ولم يكن زكياً، كان عنده ذكاء ولم يكن عنده إيمان، أتى يعترض على القرآن، فتوفاه الله تعالى، قيل: رئي قبره في المعرة، ولما فتح لغرض من الأغراض وجد عليه حية! أما فم الحية فعلى لسانه، وأما ذنبها فقد أمسكت فرجه بين رجليه؛ لأنه ألحد في الكتاب، وحاول أن يعارض كتاب رب الأرض والسماء.