للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدعوة إلى الله وتعليم الجاهل أمور الدين واجب كل مسلم]

الأمر الأول: التنبيه الذي أشرت إليه في هذا المقام هو موجه إليَّ وإليكم، وهو خطأ مرتكب وتقصير حاصل, وقد كتب إليّ بعض الدعاة والإخوة وبعض طلبة العلم بما رأوا من تقصير كثير من الناس في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وقد عمّ الجهل ولو أن هناك وسائل للثقافة وللمعرفة وللعلم ولكن هناك جهل مطبق, بل في بعض الأمكنة رأيناهم ووجدناهم لا يجيدون قراءة الفاتحة, وبعضهم ما عرف أن الغسل من الجنابة واجب إلا بعد ردح من عمره حتى تجاوز الخمسين, ووجد التقصير من كثير من الناس أنه يحمل معرفة ولو قليلة ولكنه يستأثر بها فلا يعلم بيته ولا جيرانه ولا يكون رسول خير إلى الناس, ويمر به الوقت الطويل ولا يكسب واحداً في ميزان الحسنات.

فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لـ علي بن أبي طالب: {والذي نفسي بيده، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.

أفلا تريد -أيها المسلم- أن تكسب رجلاً واحداً تهديه، كان عاصياً فتدله على طريق الاستقامة، كان منحرفاً فتدعوه إلى طاعة الله عز وجل, كان شقياً فترده إلى المسجد وإلى القرآن، هذا الذي نلمسه وهو تقصير حاصل, وأنا أعرف أن كثيراً من الإخوة عندهم التزام وعلم ومعرفة وقدرة ولكنهم لا يحملون غيرة ولا حماساً لها, أنا لا أقول: أن تتحدث، لكنك ربما تأتي بالناس إلى مجالس العلم إلى المحاضرات إلى الدروس, كأن تأتي بمجموعة من الشباب معك معرضين, أو تدعوهم لحضور درس أو محاضرة، فلعل الله أن يسمعهم الحق فيهتدوا فيكونوا في ميزان حسناتك: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

ومن الناس من يسكن في حي أو حارة أو قرية فلا يكون له أثر, يصلي مع الناس ويذهب إلى بيته ويقول: نفسي نفسي!! وهذا تقصير حاصل، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {بلغوا عني ولو آية} ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:١٨٧] فالبيان أن تدعو وأن تدل الناس على دليل الاستقامة علّهم أن يكونوا في ميزان حسناتك.

الأمر الثاني: وهو أنني أشرت في الدرس الماضي إلى أن هناك قرى مجاورة لـ أبها وما حول أبها من البوادي وأرض تهامة وفيها من الجهل المطبق ما الله به عليم, وأمامي مئات الناس هنا والوسائل ميسرة، وقد أنعم الله علينا في هذه البلاد بنعمة رغد العيش, والأمن, وسهولة المواصلات, ذلك من فضل الله ثم بجهود ولاة الأمر فإنهم سهلوا طرق الدعوة والمواصلات وأمور الانتقال من مكان إلى مكان.

فيا أيها الإخوة: كثير منكم ينزل بأهله إلى تهامة أو إلى البحر أو إلى البادية وكثير منكم يذهب في نزهة، ألا يجعل من مهمات هذه النزهة أن يعلم الناس ويفقههم في أمور دينهم, وهذا لا يكلفه كثيراً, قراءة الفاتحة, تعليم الصلاة, وتعليم الوضوء, وبإمكانه أن يعتق بهذا العمل رقبته من النار, وأن يضمن الجنة بهذا العمل, وقد رأينا ورأى الإخوة ممن نزل وشاهد من الدعاة وطلبة العلم شيئاً عجيباً لا يسكت عنه, جهل مطبق, اختلاط, وانتشار فاحشة الزنا, وترك الصلوات, وانتشار المخدرات, وكثرة اللعنات -نعوذ بالله من ذلك- بل لا يفهمون كثيراً من أمر الإسلام، كأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبعث في الجزيرة , فلما عُلِِّموا أخذ بعضهم بعد أن تاب يبكي يقول: كيف أنتم مجاورون لنا في أبها وضواحيها ولا تخبروننا بهذا؟ ذنوبنا وذممنا معلقة بكم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

فيا أيها الإخوة: انزلوا إلى هؤلاء وعلموهم, ونسقوا مع مكتب الدعوة فإنه يستقبل وينسق وعندنا إخوة هنا عصر كل جمعة ينزلون إلى القرى وهذه الأمكنة ليعلموهم ويقودوهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض, وما أعلم أن أحداً من الجلوس أمامه عذر مطلقاً, إن قال: لا أعرف الفاتحة فليس بصادق, إن قال: لا أعرف أن أصلي, فليس بصادق, وإن قال: لا أعرف أن أتوضأ فليس بصادق, بل الجميع يعرفون الأمور البسيطة الميسرة من أمور هذا الدين, لكن أين الغيرة؟ وأين الحماس؟ وأين نشر العلم؟!

أصحيح أن في الجزيرة العربية أرض محمد صلى الله عليه وسلم مهبط الوحي أرض القداسات أرض الحرمين أناس لا يعرفون الفاتحة ولا الصلاة ولا يعرفون أن الاستغاثة بالأموات شرك؟ وأن هناك مشعوذين وسحرة وكهنة؟! أنتم المسئولون!! اللهم فاشهد اللهم فاشهد اللهم فاشهد أني قد أخبرت هؤلاء أن يكونوا دعاة وآمرين بالمعروف ناهين عن المنكر, هذه موعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>