[ترشيد الصحوة الإسلامية]
رابعاً: واجب علينا ترشيد الصحوة وتقديم الأولويات في إصلاح الناس جميعاً، فليس السر في الصحوة أنها تصلح الفرد فقط، وليست المسائل الجزئية التي لا بد منها، لكن ليست هي الأولى أي: ليست رسالتنا أن نطالب الناس فقط بتربية لحاهم، وتقصير ثيابهم، واستخدام السواك، هذا أمر لا بد منه وهو من سنن محمد عليه الصلاة والسلام؛ لكن هناك قضايا كبرى لا بد أن تستهلك أعظم الأوقات وأشرف الساعات في عرضها للناس، كمسألة الإيمان أنه بديل عن الكفر، مسألة الحاكمية للواحد الأحد: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠] {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧] وأنه لا يجوز لإنسان أن يتصرف بالحكم في الأرض، وأن الخلافة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ثم لأوليائه في الأرض أن يحكموا بحكم الله {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:٢٦].
من الأولويات: أن نقدم رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام صافية، أنا أتصور أن الشرقيين هؤلاء كالشيوعيين والغربيين الرأسماليين يظنون الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يتمثل في مثل القذافي أو الخميني، أو صدام حسين، ولذلك ما دخلوا في الإسلام، إسلام يخرج لنا هذه النماذج لا نحبه، وهؤلاء في واد والإسلام في واد آخر، الإسلام طبقه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب وأحمد بن حنبل والشافعي وأبو حنيفة ومالك بن أنس وابن تيمية وابن القيم ونور الدين محمود وصلاح الدين وعمر بن عبد العزيز، هذا الإسلام، فوجب علينا أن نقدم لهم هذا التاريخ المشرق، وأن نقدم لهم ماذا فعل الإسلام يوم حكم بحقيقته هذه الأرض، وكيف طوقها بالعدل.
وأنا أحيلكم إلى مقالة للشيخ الأستاذ الكاتب الكبير: علي الطنطاوي حفظه الله، في بداية كتابه قصص من التاريخ، اسمها (نحن المسلمين) وهي مقالة جديرة أن تقرأ فإنه طرح طرحاً عجيباً، نظرية الإسلام أمام نظريات أهل الأرض، أولها يقول: نحن المسلمون، سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أهل الأرض عنا من الذي أعتق الإنسان وكان عبداً، عمر رضي الله عنه وأرضاه يأتيه رجل من مصر قبطي، فيقول: يا أمير المؤمنين! ضربني محمد بن عمرو بن العاص، ابن أمير مصر، قال: ولِمَ؟ قال: سابقته بفرسي فسبقته، وقال: أتسبقني وأنا ابن الأكرمين، فنزل فلطمه حتى لم يعد يدري أين يتجه، فذهب إلى الهيئة العليا، إلى عمر -الذي يوقف الشيطان عند حده- بل يأتي عمر من طريق والشيطان من طريق، عمر الإسلام والعدل والخير- فاستدعى عمرو بن العاص واستدعى ابنه محمداً، وجمع الناس، ولما قدم عمرو لم يدر بالخبر، ولما رآهم عمر قبل أن يُسلِّموا، أخذ الدرة وهي درة فيها علاج يخرج الشياطين من الرءوس، في صيدلية عمر بن الخطاب، شارع {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] قال: والله لا يحول بيني وبينهما أحد، ثم أخذ عمرو بن العاص، فبطحه أرضاً.
كل بطاح من الناس له يوم بطوح
ثم بطح ابنه محمد ثم أخذ العصا واعتلاهم على صدورهم يضربهم، ويقول: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً]] هذه تكتب بماء الذهب، وأصبحت كلمة عمرية.
من واجب شاب الصحوة أن يكون إنساناً مؤثراً، لا يكون سلبياً، ولنعلم أن كارل ماركس قدم لشيوعيته ونظريته أعظم مما قدمت أنا وأنت للإسلام، بل لينين سجن في مرة واحدة ست سنوات في عهد الحكم القيصري، ومع ذلك فهو مُصِرّ وعنيف، هو من قرية من الشمال، حتى أثبت إرادته وحكم، وقد رأينا من الفاشلين والظالمين من ضحى لدينه ومبدئه ولو كان ضالاً أعظم مما ضحى المسلم لعقيدته، وكما سلف معنا، يقول عمر: [[اللهم أني أعوذ بك من جلد الكافر وعجز الثقة]].
ومن الأمور والأسرار أن عمر الإسلام كما قلت لكم: خمسة عشر قرناً وهو لا يزال في نمو وتصاعد حتى تكون العاقبة له، وكما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الخاتمة للدين في أحاديث كثيرة، فسوف يستمر هذا الدين حتى يرث الله الأرض ومن عليها وتقوم الساعة.
الشيوعية عمرها اثنتان وسبعون سنة، وهذه السنوات كلها قهر وإبادة، وقد قلت لكم: الشيوعية قتلت في حكمها واحداً وثلاثين مليوناً، منهم ستة عشر مليوناً قتلهم لينين وحده، غير السجون والمعتقلات والتعذيب والتشريد، وسخروف كتب مقالة قبل أن يموت وقد نشرتها جريدة الشرق الأوسط من قبل فترة في عهد برجنيف، وأنذر برجنيف أن الشيوعية سوف تسقط، ويقول: أدركها أدركها، فنفاه إلى جزيرة سيبيريا ثم توفي.
وهم صراحة يعلنون هذا، ويعلنون أنهم إلى الدمار، لكن ما استجاب لهم أحد حتى وقعت لهم خيبة أمام العالم، ومصير النظم شرقية كانت أو غربية والتي قامت على التراب وعلى الطين ولم تستمد قوتها من رب العالمين، ولا من دينه القويم، الذي بعثه رحمة للناس، هو هذا المصير، فالأنظمة البوليسية وأنظمة التجسس تسقط بالفعل، وأنظمة الانقلاب الدموي تسقط، وقد شوهد في العالم الثالث أن الانقلابات الدموية التي تتولى الحكم في فترات، إما حكم عسكري أو حكم علماني كافر يتولى في فترة من الفترات، أنها تواجه بالانقلابات المستمرة، انظر الآن إلى العالم الغربي في حكمه كيف استقر في فترة من الفترات، كمثل النظام الأمريكي لأنه من عهد جورج واشنطن إلى الآن ما يقارب ثلاثمائة سنة إلا شيئاً، والآن الرئيس الموجود يشكل الرقم ثمانية وثلاثين أو تسعة وثلاثين، وقد ذكر هنري مانجرو في كتاب الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا النظام لا يقبل الفساد في السلطة فـ جونسون لما أخفق في فيتنام أزيح، ونيكسون لما أخفق في فضيحة ووتر جيت أزيح كذلك، وكارتر أزيح، وغيرهم كثير.
أما العالم الثالث هذا، فإنك تفاجأ في ست ساعات أن يتولى واحد، ثم يدخل عليه الثاني فيضربه بمسدس ويسحبه كالكلب، ويتولى الثالث ويغتاله بقنبلة، ويتولى الرابع فتجهز له سيارة مفخخة، لأنها ابتعدت صراحة عن مسألة الحوار والنصح وإبداء الرأي، وقامت على الانقلاب الدموي، وعلى الكبت والحديد والنار، ومنهم من قامت على نظرية كافرة في الاقتصاد لم تؤمن بمنهج الله عز وجل بالاقتصاد ومصيرها كمصير أختها، وإياك أعني واسمعي يا جارة: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ} [الأحقاف:٢٧].