[سيرة الشيخ عائض الأدبية]
السؤال
جزى الله خيراً أخي فضيلة الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني على هذه المحاضرة القيمة.
وقبل أن نبدأ بالمداخلات وبما يتعلق بها، نريد أن نسأل الشيخ عن سيرته الأدبية؛ لأن كثيراً منَّا يعرف الشيخ/ عائض عالماً وفقيهاً ومحدِّثاً ومفكراً، ولكن بعضنا يجهل سيرة الشيخ عائض الأدبية.
أريد من الشيخ عائض -إن أذن لنا بذلك- أن يذكر لنا بدايته الشعرية، ونتفاً من سيرته الأدبية.
الجواب
بارك الله فيكم، وغفر الله لمن كان جاهلاً بسيرتي في الأدب.
كما تشاهدون أخاكم في موقف لا يُحسد عليه أمام الأدباء والشعراء وأهل الفضل والخير، ولكن:
وكم في الحفل أبهى من عروسٍ ولكن للعروس الدهر ساعد
فأقول أيها الإخوة: لكل بداية نقص، والعبر بكمال النهايات لا بنقص البدايات، وقد أحببت الأدب من الأول المتوسط بمعهد الرياض، وكان يدرسنا الأستاذ البليغ الأديب الدكتور/ إبراهيم الجوير، ثم في النحو الدكتور/ محمد الفاضل وكذلك الشيخ/ عبد العزيز الفنتوك، وملأ غيرهم من الأخيار، وكان فيهم أدب واهتمام بالشعر وبالكلمة، فكنت أظن وأنا في المتوسط أن الشريعة هذه التي اسمها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أنها دواوين الشعر، وأن جريراً نصر الله به الإسلام، حتى ظهر أن جريراً هذا والفرزدق كان لهما إبل يرعيانها في الصحراء، وما كان عندهما إلا الهجاء، وقد ضيعا الدين، ضيعهما الله فرجعنا وبدأنا نحفظ، وبدأتُ بـ جواهر الأدب وبغيره إلى الثالث المتوسط، وكنت أشارك في الحفلات والأندية الأدبية وبعض المخيمات الصغيرة، وكما تعرفون أن الناس يغُرُّون، فيقول لي بعض الزملاء: فتح الله عليك! هذا الشعر لا يُطاق مثله ويصحح لي أحد الأساتذة فيقول: أنت في شعرك شيءٌ عجيب، حتى أني أتفكر في قوة شعرك دائماً.
فبلغ بي ذلك أن قلت: أني مثل المتنبي أو قريب منه! وكانوا يسألونني في حفلات المعهد في المقابلات، فكان يسألني طالب مثلي ويقول: مَن ترى من الشعراء أنه شاعر؟
فأقول: المتنبي لا بأس بشعره، وفلان لي عليه ملاحظات وآتي بأبياته، وكذا لأنني كنت جداً محباً للشعر، وأتى إلينا مرة وفد معهد الجوف زائراً فقالوا: نريد شاعر المعهد، الشاعر الكبير المصقع أن يَنْظُم، فذهبتُ فنَظَمْت قصيدة، فأولاً مدحتُ المعهد -هذا قاموس مفهرس- بقصيدة في ثلاثين بيتاً وهي موجودة ومحفوظة، وأثنيت على الأساتذة والمشايخ، ثم رحبت بالمعهد الوافد، ثم رثيت الملك فيصل؛ لأنه قتل في الأسبوع الأسود، ثم ذكرتُ الإسلام، وبدأتُها بالبيت الذي ما سمع العرب ببيت أضعف منه:
لك يا معهدي الأجل سلامي عامر الود والأماني أمامي
جئتك اليوم نافضاً عن إهابي أثر الجهل زاده إفهامي
اسمع البلاغة إلى آخر الكلام، من القصيدة، وليتهم استتابوني تلك الليلة؛ لكن جاء الأستاذ وزاد الطين بلة، فقال: سبحان الله العظيم! ما سمعنا بمثل هذه.
فلما كبُرت ورأيت البيان وذهبت إلى أبها، وفقنا الله بشيخ جليل، وعلامة رباني، وهو ولي من أولياء الله، وهو عبيد الله الأفغاني، وهو يدرس الآن في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فحفظت على يديه القرآن مجوَّداً، وقال لي: العلم ليس هذا، هذا أدب، عليك بـ صحيح البخاري فبدأتُ بـ صحيح البخاري وفتح الباري إلى أن أعطانا الله شيئاً، ولا ننكر أنه أعطانا، ولكن ليس عندنا إلا القليل، فالفضل كله للواحد الأحد.