[حيرة الشباب أمام الركام الهائل من الغثاء العقدي]
ثم يحتار هذا الشاب أمام الركام الهائل من الغثاء العقدي والفكري والسلوكي.
والأصل في توجه المسلم تجريد المنهج الرباني من الدخن، وتصفيته من الشوائب, ذهب عمر إلى مدراس لليهود، فوجد صحيفة هناك من التوارة ملقاة فاستبشر بها, وظن أنه سوف يضيف لثقافة الرسول صلى الله عليه وسلم ثقافة جديدة, ولشريعته منهجاً آخر, وأتى بالصحيفة يحملها ويبشر بها رسولنا عليه الصلاة والسلام, فَتَمَعَّر وجهه صلى الله عليه وسلم، وغضب, وقال فيما رواه النسائي بسند صحيح: {أمتهوكون فيها يـ ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد أتيت بها بيضاء، والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي} أي لو كان موسى صاحب تلك الرسالة وصاحب تلك التوارة حياً, لكان تلميذاً من تلاميذي، وطالباً من طلابي؛ ومع ذلك تذهب لتأتينا بثقافة جديدة؟!
شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب كهف في عميق سبات
بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات
وينزل الصحابة ويرون شجرة ذات أنواط, تشبه شجرة المشركين ذات أنواط, يعلقون عليها الأسلحة, بل يطلبون من الرسول صلى الله عليه وسلم شجرة ذات أنواط, تشابه تلك, فقال صلى الله عليه وسلم: {الله أكبر! إنها السنن، قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة} فأنكر عليهم صلى الله عليه وسلم حتى المشابهة في هذا الشكل الخارجي, لما يؤدي إليه من المشابهة في المضامين والمقاصد, فالمسلم يتميز حتى في ثيابه, وفي لباسه, وفي منهجه, وفي فكره, وفي أدبه.
ذكر ابن إسحاق في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل عثمان يصالح المشركين يوم الحديبية، فلما رأى المشركون عثمان قصير الثياب إلى منتصف الساق، علمه شيخه وأستاذه أن السنة تقصير الثوب, والمشركون يجرون الإزار ويسحبون الثياب, يقول النابغة يمدحهم:
رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب
فقال المشركون: قد صبأ عثمان , قد صبأ عثمان , لأنهم رأوا ثيابه قصيرة، لأن شيخه أتى بثياب قصيرة, فقلده واتبعه، واستن بسنته رضي الله عنه وأرضاه, وصلى الله على المعلم وسلم.
يدخل عمر المسجد وهذا في التاريخ أيضاً, فيجد قاصاً يقص على الناس, لكن أمن القرآن؟ لا.
أمن السنة؟ لا.
وعندنا القصص وعندنا الأدب, وعندنا الإبداع, وعندنا الروعة, وعندنا المنهج المتكامل, قال عمر: من هذا؟ قالوا: قاص, قال: يقص ماذا؟ قالوا: يقص علينا من كتاب " دانيال؛ وعمر عنده عصا نسيها في البيت, فعاد فأخذها وأتى إلى الرجل فشق الصفوف إليه وضربه على رأسه, وقال: [[يا عدو الله يقول الله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣] وتقص علينا من كتاب دانيال]] , مثل من يذهب الآن ويترك صحيح البخاري ومسلم ليخبرنا عن قصة بائعة الخبز, ووردة المفترية, وخلف الكواليس، ومحمود عنقاوي.