[توظيف الشعر]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة الأبرار: أثقلت بهذا المديح والثناء هذه الليلة، ولكن -والحمد لله- قد أصبحت عندي مناعة ضد المدح والهجاء، فأُصَبَّح كلَّ يوم بقصيدة من المدح، ثم أُمَسَّى بقصيدة من الهجاء، فجعلتُها سواء، كما قال الفضيل بن عياض: لا يبلغ المؤمن الصِّدِّيقية حتى يكون مدح الناس وهجاؤهم واحداً، فعسى أن نبلغ هذا الفضل.
وأما الإخوة فهم متفضلون -جزاهم الله خيراً- على أن دعَوني ودعَوا الدكتور حبيباً، ودَعوا أصحاب الفضيلة، وأهل العلم والأدب والحضور الكرام، فأشكر مركز متوسطة السيوطي على هذا الجهد، وهذا النظام وهذه الرتابة والحفاوة والضيافة.
مَن تلقَ منهم تقُل لاقيتُ سيدَهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
هَيْنُون لَيْنُون أيسارٌ بنو يسر صِيْدٌ بهاليل حفَّاظون للجارِ
أما ما تفضل به الدكتور/ حبيب، فلا أكتمكم سراً أني اشترطت على الإخوة والمجلس القائم على هذا النشاط بأن يقدمني الدكتور/ حبيب، ولم أتفق معه سرياً وراء الكواليس على أن يمدحني وأمدحه في مناسبات أخرى؛ لأن هذه خيانة، وقد فاجأني والله بما فعل؛ لكن له من اسمه نصيب، فقد غلبني باسمه، فأحببتُه منذ زمن بعيد، حتى يحق فيه أن أقول:
أحبكَ لا تفسير عندي لصبوتي أفسِّرُ ماذا والهوى لا يُفسَّرُ
وغفر الله له مبالغتَه، وهو صادق فيما يقول، ومن ثبتت حجيته فلا يسأل عن مثله ولكنه قال: إنني أحفظ عشرة آلاف قصيدة، وهو أراد أن يقول: عشرة آلاف بيت.
وهذا من باب التحدث بنعمة الله، فقد حدَّثتُه في الصحراء بيني وبينه؛ لأنه ألَحَّ عليَّ في السؤال، ومن كان منكم في شك من هذا فلينازلني في أي مكان يريد، وأتحداه وأتحدى أباه وجده؛ فإن بعضكم سوف ينكر ذلك.
أما عنوان المحاضرة فهو: (قصائد قتلت أصحابها) أعاذكم الله من القتل، وأسأل الله أن نقتل جميعاً في سبيله، وأن تضرب رقابنا لترتفع (لا إله إلا الله، محمد رسول الله).
لكن أصحابنا من الشعراء هذه الليلة ليس فيهم واحد قُتل في سبيل الله، مع الاحتفاظ بحقوق الطبع لشعراء متأخرين.
فالله المستعان!
أيها الإخوة الكرام: لقد اخترتُ هذا العنوان لأننا في زمن يجب علينا أن نحاسب على الكلمة، وأن نكون مؤتَمَنين على الحرف، وأن نتقي الله فيما نقول؛ لأنه ما دام أن البشر والملوك والوزراء والأدباء يؤدبون العاصي والمنحرف في لغته وفي لفظه، ويُقتل وتضرب عنقُه، فكيف بالواحد الأحد الذي يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨]؟!
فإنها مدرسة، فاستمعوا وأنصتوا، وإنه بإمكانك أن توظف الحرف لمرضاة الواحد الأحد، وبإمكان المنحرف أن يلغو بكلمة، فيخرج عن المنهج وعن الصراط المستقيم.
وسامحوني إذا ذهبتُ ذات اليمين وذات الشمال، مع أني أريد أن أقصر من الاستطراد، لكن الأدب يتحمل، وربما كان الاستطراد أحسن من النفسية الحرفية، وهذا أمر -إن شاء الله- معلوم.