[التكاثر بالأولاد]
ومن أنواع التكاثر عند المفسرين وأهل العلم: التكاثر بالأولاد، وبعض الناس لقلة فهمهم يتصور إذا رزق نفراً كثيراً من الأبناء؛ أن ذلك لحسنه ولمكانته عند الله، وكذلك المال والعلم، وهذه كلها ابتلاءات من الله، قال تعالى: {فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:١٥]
{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ) [سبأ:٣٧].
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦] من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها أي: نعطيهم منها {كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:٢٠ - ٢١].
والأولاد قد يكونون فتنةً، ولعنةً، وسخطاً، وغضباً، وشقاءً، قد يدخلون عليك البؤس والحسرة واللوعة والحرقة والفتنة، وفي بعض الآثار التي لا تصح مرفوعةً إلى المعصوم بل هو من كلام أحد الحكماء "في آخر الزمان لأن يربي أحدكم كلباً أوجرواً خير من أن يربي ولداً " هذا في بعض الأماكن يوم يرفع القرآن من البيت، يوم تنزك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من البيت، تتربى الأسرة على غير لا إله إلا الله، على الأغنية الماجنة، على الصورة الخليعة، وعلى السهرة الآثمة، ولذلك ينشأ النشء معوجاً غير مستقيم، الابن ضال مضل، والبنت فاتنة مفتونة؛ لأن غرساً لا يربى على نهر محمد عليه الصلاة والسلام غرس ميت.
ونحن بالخصوص في هذه البلاد بلاد تعيش على ثلاثة أمور: إيمان وطموح وحب، بلاد هواها نشأ على لا إله إلا الله، وهواها سار على لا إله إلا الله، وتدفق ماؤها على لا إله إلا الله، وعلى الإيمان بالله وبرسول الله، كتب اسمها وقدرها -هذه الجزيرة - على لا إله إلا الله، فقدرها الإسلام وهي قدر الإسلام، ولا نزري بغيرنا من البلاد، فأولياء الله عندهم ربما يكونون أكثر من عندنا؛ لكنْ القبلتان، والعقبتان، والبيعتان، والهجرتان هي من هذه الأرض:
بنفسي تلك الأرض ما أحسن الربى وما أحسن المصطاف والمتربعا
فيوم يأتي بيت من البيوت، أو جيل من الأجال في هذه البلاد ليخرج القرآن من البيت، ويحل مكان القرآن الأغنية، أو يخرج المصحف ويحل المجلة الخليعة، أو يخرج حلقات السيرة والسمر مع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ليجعل لعب الورقة مكانها؛ معناه يقضي على لا إله إلا الله ويشطب على لا إله إلا الله من مسيرته.
لا حياة للأمة إلا بالإيمان يقول إقبال:
إذا الإيمان ضاع فلا أمانٌ ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دينٍ فقد جعل الفناء له قرينا
أمة بلا إيمان معناها قطيع من البهائم، جيش بلا إيمان هَوْشرة وهوش، فصل بلا إيمان شلة من المشاغبين، بيت بلا إيمان خراب؛ فيه غربان وبوم وعقارب، قلب بلا إيمان قطعة لحم متمزقة، كتاب بلا إيمان صحف ممزقة، قصيدة بلا إيمان أبيات مقفاة، كلمة بلا إيمان وخطبة بلا إيمان حروف مجمعة، والحب تعيش عليه الأمة، وإذا لم تعش على الحب فلا مصدر لها، وهو إكسير الحياة يحول المعدن إلى معدن آخر.
وإذا دخل الحب لغير الله ورسوله القلب فقد فسد، وظن الفنانون والفنانات، والمغنون والمغنيات، والماجنون والماجنات الأحياء منهم والأموات أن الحب عندهم.
ونحن الدعاة أو نحن أهل الدعوة وأهل قال الله وقال رسوله؛ إن كنا من أهل ذلك ما عندنا حب، بل الحب كل الحب والأصالة كل الأصالة في المصحف والسنة، أما حبهم فحب الضياع، حب العشق، حب الهيام، حب الانهزامية والفشل والبعد عن الله عز وجل، هذا أمر لا بد أن يتذكر وأن يفهم.
ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:١ - ٢] حتى زرتم المقابر، قبل أن أنفذ إلى الآية التي تلي هذه؛ أقول: التكاثر بالأولاد تكلم الله عز وجل عن هذا في القرآن كثيراً، وذكر قصة محزنة عن رجل، ضال مضل، عميل، كفر بلا إله إلا الله، هذا الرجل هو الوليد بن المغيرة كان له عشرة أبناء، من أبنائه خالد بن الوليد سيف الله المسلول، خالد الذي قال عنه العلماء وقال هو عن نفسه أنه حضر أكثر من مائة معركة في سبيل الله وفي غير سبيل الله قبل الإسلام، ما فيه موضع شبر إلا أصابه إما طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم.
نعم:-
تسعون معركة مرت محجلةً من بعد عشرٍ بنان الفتح يُحصيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
أبوه كافر بالله العظيم، وخرج من صلبه هذا المؤمن العظيم، سبحان الله الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي.
الوليد بن المغيرة كان يحضر أندية قريش، ويدخل الحرم وعن يمينه خمسة أبناء وعن يساره خمسة، فقد كانوا عشرة، كان يلبسهم الحرير، وأسورة الذهب، وتيجان اللؤلؤ، كان تاجراً، ذهبه يكسر بالفئوس في مكة، فدعاه صلى الله عليه وسلم إلى لا إله إلا الله؛ فكفر بلا إله إلا الله، قرأ عليه القرآن حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:١٣] فقام ووضع كفه على فم المصطفى عليه الصلاة والسلام وقال: أسألك بالله وبالرحم -لأنه قطع قلبه- لا تواصل في القرآن، يعلم أنه حق، يعلم أنه مبدأ، يعلم أنه صدق، فرجع إلى قريش وأراد ان يسلم قالوا: لا نتركك.
يا أبا المغيرة حتى تقول، حتى تقول كلاماً، فقال: هذا القرآن سحر، فتنزل له الله بآيات وقال: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر:١١].
أتى وحده، وقع أعمى، أصم، أبكم، جائع، ظمآن على الأرض، والآن يتفلسف في القرآن، يحارب لا إله إلا الله.
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً} [المدثر:١١ - ١٣].
يشهدون معه الحفلات والمراسيم {وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً} [المدثر:١٣ - ١٤] أي: مهدت له أموره، أهذا هو الجزاء؟! وهذا رد المعروف؟! وهذا حفظ الجميل؟! تكبر علينا اليوم، اليوم يعرف شخصيته.
{وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً} [المدثر:١٤ - ١٦] وجزاؤه {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:١٧] صعود: جبل في جهنم يصعد فيه سبعين سنة إذا انتهى إلى أعلاه سقط على آخره وهكذا {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:١٧] لماذا؟ {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} [المدثر:١٨] تفلسف في القرآن، ما عرف لا إله إلا الله، قلبه آثم مجرم، دماغه ما فهم، ما عنده انفتاح ولا ذكاء ولا فهم {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:١٨ - ٢٦] أي: جهنم {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:٢٧ - ٢٨] نعوذ بالله من النار، نعوذ بالله من سقر، نعوذ بالله من الفجور، نعوذ بالله من عدم الفهم لآيات الله عز وجل، هذا في التكاثر بالأولاد.