ولما حضرت معاوية بن أبي سفيان سكرات الموت, فنزل من على كرسيه، وكشف البساط، ومرغ وجهه بالتراب، وقال: صدق الله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[هود:١٥ - ١٦] ثم قال: ما عندي أرجى من لا إله إلا الله محمد رسول الله, وهذه في كتاب وصايا العلماء لكن في سندها نظر، ثم قال: إذا أنا مت فكفنوني في بردة أخذتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وانظروا إلى قارورة في الديوان فيها أظفار وشعر للرسول صلى الله عليه وسلم ضعوها في عيني وأنفي.
ثم ذهب إلى الله, ولا ندري ماذا حدث؟! لكن -والله- هناك أمور تشيب منها النواصي, يوم تبيض وجوه وتسود وجوه, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى:{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٨] وقال: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام:٩٤] وقال: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً}[الفرقان:٢٧] وقال: {َيا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}[الفرقان:٢٨].
ومن يستقرئ التاريخ يجد مصارع الغابرين من أهل الغفلة, وأنا لا أتحدث عن الكافر, فالكافر ملعون في بدايته، ملعون في نهايته, ملعون في حشره, ليس له نصيب في رحمة الله, لا يرجى له إلا الخلود في النار لأنه أشرك بالله, لكني أتحدث عن أهل الإسلام, ممن استقام على الطريقة وحافظ على أوامر الله, ومن غفل وأدركته المعاصي والشهوات.